ليلة لشبونة
أي السجنين أشد
وطأة وأكثر تعذيباً للنفس، سجن الحروب أم سجن الذكريات التي تخلفها؟
للإجابة عن هذا
السؤال سأتحدث قليلاً عن مؤلف ليلة لشبونة (إريش ماريا ريماك ١٨٩٨-١٩٧٠م) الروائي
الألماني الذي اشتهر بمؤلفاته التي يتحدث من خلالها عن إرهاب الحروب ومآسيها وهذا
ما جعله عدوًا للنازية التي أحرقت الكثير من أعماله وأجبرته على الفرار من وطأتها
إلى أمريكا. في العام ١٩٤٣ أعدمت النازية أخته بسبب فراره هذا.
إريش ريمارك - Erich Remark |
في العام ١٩٦١ كانت
رواية ليلة لشبونة. رواية تتحدث عن الحرب، عن مآسيها، عن
الخوف والهروب، عن الذكريات، عن سجن الذكريات تحديدًا، السجن الذي لا هروب ولا مفر
منه، لعل ذكرى إعدام أخت إريش ريمارك، أخته الصغرى الفريدا، والتي ارتبط اعدامها بهروبه إلى أمريكا كان سبباً لكتابة ليلة لشبونة ولعل هذا الحدث هو ما أعطى لهذه الرواية ثيمتها وقيمتها أيضاً. لعل هذه الذكرى هي الذكرى التي لم يستطع إريش الفرار منها، فعادة ما يكون سجن الذكريات أشد وطأة عند أولائك الذين عانوا نار
المعتقلات، الحرب، الدمار والموت. وهذا ما ستكتشفه عند قراءة هذه الرواية.
Elfriede Scholz - الفريدا سكولز (اخت إريش ريمارك) |
تنقل الرجلان
بين الحانات لقضاء هذه الليلة الطويلة والكئيبة، ولكن هل الحانات هي المكان الملائم
لسرد مثل هذه الذكريات؟ هل الحانات بكل صخبها تعد مكاناً ملائماً للتأمل في الموت
والحياة والإنسان؟ ارقتني عبثية هذا التناقض ولكن الرواية جاوبتني عن هذا السؤال،
فعند تلك المرحلة من اليأس وانعدام المعنى في الحياة، تموت أهمية المكان أو الزمان
وتصبح الأمور كلها بلا معنى.
(عندما تموت
السعادة لا يستطيع المرء تغيير الأشياء، ولا يستطيع أن يخضعها لخيبة الأمل
فالذكريات تبقى متكاملة) لذلك كانت ليلة لشبونة ليلة الذكريات، والإنسان نتاج
ذكرياته أو بمعنى آخر، الإنسان قد يتشكل، أو يتغير نتيجة أثر تجاربه العالقة
بالذاكرة فهل من حيلة لتجاوز ذلك؟ هل من طريقة للهروب؟ (...لكن ذاكرتي ستحاول
تحطيم هذه الذكرى ... ستحاول أن تمضغها، تقطعها، وتغيرها، حتى تصبح أهلاً للحياة
وتفقد خطورتها. إنني متأكد من أنني لن أستطيع سرد هذه الأحداث على حقيقتها بعد
بضعة أسابيع ...). هل محاولة تشويه ذكرياتنا للتملص من قيودها والمحاولة في البدء
باتباع طريق جديد هي حيلة ناجعة تفرضها غريزة البقاء علينا للهروب والبقاء؟؟
ليلة
لشبونة / إريش ماريا ريمارك / ترجمة د.ليلى نعيم / دار أثر
تعليقات
إرسال تعليق