هيا نشتر شاعرًا


أفونسو كروش/ هيا نشتر شاعراً رواية قصيرة بمعنى عميق جدا وبعد إنساني رائع، يعري فيها الكاتب المجتمعات المادية، المجتمعات التي بدأت تنسلخ عن إنسانيتها وتصبح العلاقات فيها قائمة على النفع المادي الملموس، المجتمع الذي ليس للأرواح فيه مكان وليس للإنسان علاقة فيه بالإنسان.. فلا يُتحدث فيه إلا بلغة الأرقام. رواية استخدم فيها أفونسو السخرية بحرفية فنان، ليعري المعاني المختبئة خلف كلمات وتصورات أفراد هذا المجتمع المادي، فاستبدل في سرده أنواع التحايا كـ "مرحباً" أو "صباح الخير" أو "مساءالخير" ب "نمو وازدهار" كناية عن المادية وأن التحية لاتكون إلا بالنمو والإزدهار المادي! أسماء شخوص الرواية مجرد أرقام، السيدة ٥٦٨٣,٢ الفتاة NM٧٩٢ ... فالشخص في مجتمع كهذا مجرد رقم وحسب. الشعور يجب أن يوصف بالنسبة المؤية، (لا أستطيع أن أعبر بأرقام دقيقة لأصف لكم شعوري بهذا القرار) ..

في مجتمع كهذا يصبح كل ما هو روحي إنساني مجرد هراء، كالفن والأدب، ويصبح من يمارس شيء من هذا الهراء تافه مُستحقر. لذلك كان ذلك العنوان الغرائبي "هيا نشترِ شاعراً"، فالقصة أن فتاة طلبت من والديها شراء شاعر وكأنها تريد أن تحصل على (قط أو أي حيوان أليف) للحصول على شيء من الألفة والتسلية -فالمبدعين في مجتمع الماديات يُنظر لهم بهذا المنظور- فالشاعر لا يكلف كثيراً مادياً، ولا يترك أوساخاً كالرسامين مثلاً ! بالرغم من كل هذه السخرية في هذه الفكرة إلا أنه مؤلم تصور هذا الحال للإبداع والجمال في مجتمع الماديات. 
رواية من ست وسبعين صفحة، حملت الكثير من الأفكار والمعاني. تستحق القراءة فعلاً..

تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

توأم الروح

تاريخ المكتبات (٣) الحضارات القديمة وأوراق البردي