مارواه المغربي* .. رحلة الآمال والأهوال
(الناجي الرابع: هو استيڤانكو،
وهو عربي أسود من أزمور)
فمن هو استيڤانكو؟
هو مصطفى بن محمد بن عبدالسلام الزموري أحد أسوأ الناس حظاً، والذي قادته أقداره
أن يكون أول المهاجرين إلى أمريكا خلال استكشاف وغزو الإسبان للعالم الجديد فنزل
في ولاية فلوريدا في العام ٩٣٤هـ العام الموافق للعام ١٥٢٨م ولكن هذه الحملة تعرضت لكثير من الأهوال
لجهل الغازين بهذه الأراضي ولما واجهوه من المقاومة والمرض والفقر والضياع، فاضطر
مصطفى إلى البقاء في أرض الهنود كما يطلق عليها إلى العام ٩٤٢هـ الموافق
للعام ١٥٣٦م.
اقرأ
في هذه المدونة شحاذو المعجزات – قسطنطين جورجيو انقر هنا
السؤال هنا، ما
الذي ساق مصطفى إلى غزو العالم الجديد مع الإسبان؟ في ذلك الوقت غزى البرتغاليون
المغرب وصاب أهلها الفقر والفاقة مما دفع مصطفى وهو التاجر المزهو بنفسه إلى أن
يبيع نفسه كعبد إلى الغزاة حتى يوفر بعض المال لإخوته وأمه. وهنا نجد أن الرواية
تعرض زمنين مختلفين وبشكل متوازي على لسان مصطفى من خلال سرد ذكرياته القريبة في أرض الهنود، وذكرياته البعيدة في بلده المغرب، ومن
هذا نستطيع أن نلاحظ أن التاريخ يعيد نفسه فالغزاة هم الغزاة مهما اختلفت أهدافهم
والمستضعفين ليس لهم إلا المصير ذاته تحت شعار "تحرير الشعوب البدائية وترحيلها
نحو الحداثة".
من خلال هذا
السرد تظهر الكثير من التعقيدات النفسية لدى الغازي والمستضعف، لدى العبد والسيد،
رحلة تعكس وحشية الإنسان، رحله الآمال والأطماع وتبدل الأحوال، فأول ما نلحظه فيها
هو تبدل اسم ودين مصطفى، وما هذا إلا قمة الاستعباد (واسم المرء غالٍ، يحمل في
ثناياه لغة وتاريخاً وعادات وإيماناً وخسارته يعني انفصام عرى الروابط) التي تربط
الإنسان بتلك الأمور كلها. أما الدين فكان المبرر الأسمى لهذه الغزوات والدخول في النصرانية هو أول معايير الحداثة فكان الإسبان عند النزول على أي قرية يلقون خطاباً محتواه "نعلن أن هذه الأرض ملك للإله ربنا الباقي، وأن الإله قد كلف رجلاً واحداً وهو القديس بطرس بحكم بني آدم في هذه الدنيا أينما كانوا، وأي شرع أو ملة أو دين اعتنقوا ... إلى آخر الخطاب، ولم يكن يشترط وجود أي من السكان الأصليين عند إلقائه واعتماده. غرور واستعباد إلى أقصى مداه.
اقرأ
في هذه المدونة (خرفان المولى / ياسمينة خضرا – نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)
انقر هنا
وبعد كل ما
ستقرأوه عن هذه الرحلة وبغض النظر عن حقيقها من خيالها، فهذه الحملات روي عنها
الكثير من الأساطير ولكن ما يهمنا هو أن نتعلم منها بأن المنتصر هو من يكتب
التاريخ، نتعلم منها خطورة تدوين التاريخ فكما غيرت التاريخ كلمة (لا) التي أخطأ
بها المحرر بطل رواية قصة حصار لشبونه لخوسيه ساراماغو، فها هنا أيضاً برهان آخر
على خطورة تدوين التاريخ ففي بيان حملة نارفاييز دي فاكا (أغفلوا ذكر التعذيب وهتك
الأعراض الذي شهدوه، وسوغوا سرقة الطعام ونهب المتاع وأنكروا الزوجات الهنديات
اللاتي اتخذوا، وبالغوا في وصف عذابهم على أيدي الهنود وأعظموا سعادتهم في النجاة)
في الأخير التاريخ لا يحفل إلا بالنتائج.
هذه الرحلة تظهر
لنا دروساً يجب أن نتعلم منها، فالنرجسية التي تصيب الإنسان والغرور الذي يصيبه في
حال القوة قد يرديه فقادة هذه الحملة وبكل ما للإنسان من غرور ونرجسية، يغزون
بلاداً يجهلونها ويجهلون عادات أهلها ثم يقولون (لا حاجة لنا بمساعدة الهنود) فما
كان مصيرهم إلا الهلاك. مصطفى يبيع حريته وحياته من أجل المال ليعرف لاحقاً أن
(الحياة لا تسترد بالذهب).
اقرأ في هذه المدونة (مشاهد فنية من تغريبة العبدي / عبدالرحيم لحبيبي) انقر هنا
ستأخذك هذه
الرواية إلى الكثير من الأماكن لتتعرف من خلالها على أرض مختلفة وأناس مختلفين تتعرف
من خلالها على أنثروبيولوجيا السكان الأصليين لهذه المناطق وهذا ما أدى بليلى
العلمي للرجوع إلى الكثير من المراجع كما أوضحت من أجل كتابة هذا السرد وقد ذكرت
منها الكثير وهذا يدل على الجهد المبذول من أجل كتابة نص سردي يرتقي لكل تلك
الترشيحات، ويعطي تأثيره المرجو منه، ،هذا ما يعطي الأدب العالمي الرواج الحالي بسبب
مواضيعه التي يُرجى منها سبر أغوار الإنسان والحديث عن المسكوت عنه، بخلاف الأدب
الذي لا يعالج إلا مواضيع هامشية أو شخصية، بدون جهد يذكر. وهنا يكمن الفرق بين
العمل الإبداعي من غيره.
لا أغفل هنا عما
قدمته الأستاذة نوف الميموني في ترجمتها لهذه الرواية والتي حاكت فيها أسلوب
(الرحالة العرب في كتب الرحلات القديمة، مثل ابن بطوطة وابن جبير والإدريسي) مما
أعطى السرد طابعاً وإحساساً مختلفاً يجعلك تحتار أهذه الرواية إحدى روائع الأدب
العربي أم الأدب العالمي.
ومن الجدير بالذكر أن مصطفى الزموري قد خصصت له
قناة الجزيرة الوثائقية حلقة كاملة للحديث عنه (لمشاهدة الحلقة انقر هنا).
-----------------------------------------------------
*ما رواه المغربي تأليف ليلى العلمي – ترجمة نوف الميموني – دار أثر
٢٠١٧م
تعليقات
إرسال تعليق