مشاهد فنية من تغريبة العبدي*..
تغريبة العبدي لعبدالرحيم
لحبيبي هي رواية تصنف ضمن أدب الرحلات تؤرخ لفترة القرن التاسع عشر وتصف الزمان
والمكان على عدة أصعدة من نقطة الإنطلاق مدينة فاس العريقة، فاس (مهبط الأدارسة
سليلي النسب النبوي الشريف) إلى مكة المكرمة ثم إلى مصر وتعد هذه الرحلات المراد
بها الحج في القرن التاسع عشرعاملاً مساعداً في (تقديم صورة الصدام الحضاري مع
أوروبا الصناعية)، و(في مقابل ذلك يقدم نص العبدي صورة مغايرة للعالم وموقفا
انسانياً وحضارياً يمزج بين الذات والآخر ويسائل الماضي كما يسائل الحاضر
والمستقبل ويضع الحقيقة موضع الشك، والظن محل اليقين باحثا عن أفق جديد يتصالح فيه
الإنسان مع ذاته وعصره وتاريخه).
اتكأ نص تغريبة العبدي على
تقنية المخطوطة التي اكتشفها أحد الدارسين وحاول أن يخرجها تخريجاً أكاديمياً فعمل
على البحث والتوثيق، وبما أن الفن هو إحدى شواهد التاريخ قام هذا الدارس بالاستشهاد
على أحداث هذه الرحلة بعدد من اللوحات الفنية التي رسمها المستشرقون إما انبهاراً
بعوالمنا وصحرائنا وإما توثيقاً للأحداث.
من أول الأحداث التي جاء
ذكرها في هذه الرواية مقروناً بعمل فني يوثقه هو معركة إيسلي، وهي معركة قامت بين جيشي المغرب وفرنسا في ١٤ أغسطس من العام ١٨٤٤ بسبب
مساعدة السلطان المغربي المولى عبد الرحمن للمقاومة الجزائرية ضد فرنسا واحتضانه للأمير عبدالقادر، الشيء
الذي دفع الفرنسيين إلى مهاجمة المغرب عن طريق ضرب ميناء طنجة حيث أسقطت ما يزيد عن ١٥٥ قتيل، ثم ميناء تطوان ثم ميناء
أصيلة، فقام الفنان هوراس ڤيرنيه بتوثيق وتخليد انتصار القوات
الفرنسية من خلال رسمه للفرسان المغاربة مندحرين هاربين في العام ١٨٤٤ بلوحته المعنونة
بمعركة إيسلي:
ومن لوحاته أيضا في سبيل توثيق هذه
الرحلات لوحته رحلة في الصحراء، ففيها صورة حية لمقدمة القافلة، حيث يتقدم الدليل
وخلفه معاونوه وأمامه راجلاً الكشاف الذي يستطلع وهو يشير بيده اليمنى إلى شيء ما
لا يظهر في اللوحة.
كانت هذه الرحلات وهذه اللحظات
وكل ما تحويه معالمها المتعلقة بالقوافل والناس والبيئة المحيطة لهم محط اهتمام
الفنانين الإستشراقيين و منهم الفنان ثيودور فيري (١٨١٤-١٨٨٨) و الذي رسم العديد
من اللوحات في هذا الشأن ومنها لوحته قافلة في الصحراء:
و أيضاً الفنان جون فريدريك
لويس الذي تأثر بحب الصحراء إذ يحكي أنه لا شيء أحب إلى قلبه من امتطاء ظهر جمل في
الصحراء وكانت لوحاته شاهدة على هذا التأثر ومنها لوحته توقف في الصحراء:
وفي ظل ما يشوب هذه الرحلات
من التعب وخاصة في الصحاري القاحلة عندما يشح الماء كان للفنان جان ليون جيروم
(١٨٢٤-١٩٠٤) لوحة بعنوان مسيرة في الصحراء تجسد هذا الموقف بأضواء اللوحة التي تشي
بحرارة الشمس وحرقتها
وهكذا كان موضوع الرحلات محط
اهتمام للفنانين في ذلك العصر حتى أن الفنان ليون بيلي (١٨٢٧-١٨٧٧) عنون احدى
لوحاته الشهيرة بعنوان الحجيج إلى مكة و تعد من أشهر لوحاته، وتقدم مشهد قافلة
حجاج أنهكهم التعب والحر حيث يبدو دليل القافلة عاري الصدر وحوله حراسه وأعوانه
وقد تدلت بنادقهم وأرخوا رؤوسهم وكذلك باقي المسافرين
ومن المواضيع التي أثارت
المستشرقين في القرن التاسع عشر هو المرأة في العالم العربي والإسلامي فكانت
لوحاتهم تظهر هذا الاهتمام والفضول ومن هذه اللوحات التي استشهد بها المحقق
لمخطوطة العبدي هي لوحة الفنان رودولف ارنست (١٨٥٤-١٩٣٢) وهي لوحة لنساء على السطح
في طنجة:
ومنها أيضا لوحة الفنان جون
فريدريك لويس التي يظهر فيها سيدة ثرية تقوم على خدمتها وصيفتها في قصر أندلسي
الطراز والمعمار:
هذا النتاج الفني هو قطرة في
بحر مما أبدعه فنانو ذلك العصر في توثيق ملامح الحياة وأحداث التاريخ في العالم
العربي والإسلامي و بمجرد البحث فقط في بعض هذه الأسماء المذكورة نجد العديد
والعديد من الأعمال الإبداعية المبهرة والتفاصيل الدقيقة لجميع مناحي الحياة
وإضافة إلى الأسماء المذكورة سابقاً على سبيل المثال الفنان النمساوي الاستشراقي
لودفيك دوتش (١٩٣٥-١٨٥٥) والذي صور الحياة المصرية بأدق تفاصيلها، ومن أعماله التي
ذُكرت في هوامش تدقيق مخطوطة تغريبة العبدي هي لوحته الأزهر جامعة عربية:
لهذه اللوحة أبعاد فنية
خلابة: المكان والزمان، الإنسان واللون. قدم الحضور الإنساني في الساحة على شكل
حلقات للدرس والمحاورة والقراءة فيخلق بذلك عالماً فريداً في جماليته وسموه، و
اهتم دوتش باظهار رغيف الخبز كإشارة للحالة الإجتماعية لطلبة الأزهر و طلبة العلم
عموماً. استطاع دوتش أن يرسم أجساداً كاملة في مقدمة اللوحة، واستعصى عليه ذلك في
باقي اللوحة فلم يحط إلا بآنصاف الأجسام أو رؤوسها أو عمائمها أو بظلالها الباهتة. بمجرد
البحث تحت اسم لودفيك دوتش نجد الكثير من الأعمال، نجد تفاصيل مصر، الأزقة
والحارات، الباعة، المعمار وأكثر.
هكذا دوماً هو الفن
يجسد الحياة فعبر الأعمال الإبداعية سنتمكن على الأقل من اكتساب لحظات للتبصر في
آلامنا ونفض غبار الجهل والتبلد عنا، فالفن دوماً بحسب شبنهاور يساعدنا على تحويل
الألم إلى معرفة.
* اللوحات ووصفها مقتبس من رواية تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية / عبدالرحيم لحبيبي / دار افريقا الشرق
معلومات مفيدة واستمتعت بالصور لاني اقرا تغريبة العبدي وحبيت اشوف صور ولكن ماعرفت بالضبط فشكرا ويعطيك العافية عالمجهود بالمدونة
ردحذف