توأم الروح



كثيراً ما أسمع من يطلق على شخص ما (توأم روحي)، أو أرى من يتمنى أن يجد توأم روحه، وهذا حق مشروع لكل إنسان، فمن لا يجد نفساً تقترن بها نفسه فهو في وَحْشة.
توأم الروح المقصود هنا ليس فقط توأمها في الحب أو العشق بمعناه السطحي المتعارف عليه فتوأم الروح هو الشخص الذي تجد الروح فيه سلامها وطمأنينتها ويجد فيه القلب راحته هو الشخص لا تتغير نظرته ولا سلوكه معنا في كل حالاتنا واضطراباتنا. أخٌ كان أو أخت، زوجٌ كان أو صديق، فتوأم الروح سعادة حقيقية ونعيم ممتد، ولإيماني بأن الإنسان خُلق في كَبَد فأنا أؤمن بأنه لن يجد كل منا توأم روحه. توأم الروح واقع موجود ولكن الإلتقاء به وتمييزه شبه مستحيل. فمن وجد إلفه وتوأمه فلا يغفل عنه وليتمسك به، فكما يقول فاستون باشلر "استمالة الإنسان لروح آخره تعني أنه وجد روحه الخاصة".

كم نقابل من أصدقاء، كم نتعرف على أشخاص منهم من يبقى في حياتنا ومنهم من يغيب، كم شعرنا بعاطفة الحب ثم نجد ذاك الحب أمسى خبراً، فكانت علاقاتنا صرحاً من خيال فهوى، نعتقد ونظن أننا التقينا بتوأم الروح ومع الزمن تأتي الصدمة ...

اقرأ في هذه المدونة "غريزة البقاء" انقر هنا 


إذن كيف لنا أن نعرف توأم روحنا، كيف لنا أن نميزه؟ إن ما ألهمني في البحث عن الجواب على هذا السؤال هو العلاقة العجيبة لمولانا جلال الدين الرومي وتوأم روحه ومرآة نفسه شمس الدين التبريزي ومنها استنبطت أول صفات توأم الروح ألا وهي صفة التناقض، فتوأم روحك هو نصفٌ مكمل لك وليس نصفاً مطابقاً لك، فتوأم الروح يكمل ما ينقصك، وإلا كيف اجتمع الفقيه ذو المكانة بذلك الدرويش المتأمل، فظاهرياً لا يستويان، إلا أن هناك ما تكتمل به الأرواح فكان أحدهما الصورة والآخر هو المعنى، لذلك نجد مولانا جلال الدين الرومي يقول "صورتك صفر، فابحث عن معناك". فنقطة الاكتمال هي أن يطلعك الله على توأم روحك.

من الأخطاء والمغالطات التي تأملتها، هي الاعتقاد بأن توأم روحك يجب أن يلازمك في كل وقت وحين، بمعنى أنه يتعامل معك أو تتعامل معه بمبدأ التملك، وكما يبدو لي هذه أنانية وحب تملك وليست ألفة ترتقي بها أرواحنا، فتوأم روحك هو أنضج من يُفهمك أن ذكاء المسافات مهم، فيُقال في المحبة "ابتعد حتى أراك" فالابتعاد بين الفينة والأخرى صحي لأرواحنا ومفيد لتقييم علاقاتنا، أولا تظهر صورتك في المرآة لك عند بعد معين؟ ألم ترى إلى الفنان حين يرسم لوحته يأخذ خطوتين للخلف أو حتى ثلاث ليتأكد من تناسق ألوانه وخطوطه؟ لذلك تجد توأم الروح هو أكثر من يسعى في تحريرك من محبته لك.

اقرأ في هذه المدونة "الحب موت صغير" انقر هنا 


توأم روحك عنده صورة لك لم يرها أحد من العالمين، فلو سألت شخصاً ما ذا تعرف عن فلان وكان جوابه بما تعرف أو يزيد فاعلم أنه ليس توأم روحك. توأم روحك من المفترض أن تعرف خبايا روحه، تستطيع أن تصفه بوصف لا يصفه به أحد غيرك، فإن لم تعرف وصفاً إلا ما يعرفه الجميع فأعد البحث ... لأن توأم الروح أفضل رفيق في حرم الأسرار ومن أجل ذلك هو أجود من تتخذه عيناً عليك.

توأمك هو الإنسان الذي لا يجافيك ولا يطيل الخصام ولا يدعوك أو يجبرك على كثرة الاعتذار، بل هو الرفيق الذي يدربك على الإعذار لا على الاعتذار. بل على العكس هو شخص تستوهب عتابه تريد منه العتاب لأنك تعلم أنه لا يعاتبك إلا بصدق لأنه لا يريد أن يخسرك فكما يُقال "استبقاك من عاتبك".

يقول سيدنا عمر بن الخطاب "ما أطولها من ليلة لا يرى المرء فيها إخوانه" فهكذا هو توأم الروح تشعر بوخزة في صدرك حين تتذكره يطول ليلك في غيابه فهذا الشخص هو أوجع من يعالجك بالحنين وهو أسرع من تجود ذاكرتك بتحضيره فتسافر روحك إليه، تشعر وكأنه قطعة منك. أما حين تراه مقبلاً عليك فهو أقلق من يقلقك قربه لكثرته، بمعنى أنك تجد روحك تحتار وتقلق، كيف ترحب به ترحيباً يليق به؟ ماهي الكلمات التي تستقبله بها؟ تجد أنك مبعثر لفرط فرحك به، تجد أنه أعجب شخص تجتمع له حواسك، تقشعر، وتلك قشعريرة المحبين. 

ولا بد أن هناك الكثير من حالات الشعور التي نشعر بها اتجاه توأم الروح ولكل شخص حالات تخصه، فللروح عجائب ولتأثير توأمها غرائب:

في وجنة المحب سطور رَقِيمِه 
طوبى لمن يصير لمعناه تاليا
ـــــــــ

لمتابعة قناة حرم الجمال (يوتيوب) انقر هنا 
لمتابعة قناة حرك الجمال (تيليجرام) انقر هنا 


تعليقات

  1. في المقالة قرأت انه لا يدوم الخصام
    دام أكثر من سبع أشهر
    احقا هو توأم روحي؟؟
    ام أنني اتوهم
    جاء وقال لي انتي توأم روحي وما كنت اعرف ما معنى ذالك
    لا أنكر بأنني افكر في الأمر وبحثت
    وكل يوم اقرأ مقالة عن هذا الموضوع
    حقا أشعر بأن شيئا ما يأخذني إليه لا أعلم ما هذا الشيء فقط أعلم بأني اشتقت له

    ردحذف
    الردود
    1. تحديد ذلك لا يكون من طرف واحد. ماذا عنك؟ البعض يخلط بين الحب والعشق والاعتياد على وجود شخص ما في حياته وبين توأم الروح.

      حذف
  2. أنا أعتقد أنني وجدت توأم روحي من أول مرة رأيته فيها أحسست بشعور غريب لم أحسه تجاه اي شخص من قبل مشاعر عظيمة لا توصف احس بأنه قطعة من روحي انا في جسد آخر احس بالراحة و الامان عندما يكون قريب

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

رواية خرفان المولى (نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)