المسيح يصلب من جديد !




نيكوس كازانتزاكيس كاتب ومفكر يوناني يعد من أشهر الكتاب العالميين ولد في جزيرة كريت في الثامن من ديسمبر ١٨٨٥م ودرس القانون في جامعة أثينا ثم انتقل منها لدراسة الفلسفة في باريس وتعود تجربته الفكرية، الفلسفية إلى اعتزاله الناس بعد عودته من باريس واعتكافه في دير للرهبان فوق جبل آتوس وذلك للتأمل والتفكر في أفكاره الموروثة وتقييمها ثم خرج بعد ذلك ليكتب ويبدع مجسداً المشهد الإيجابي للعزلة والانقطاع للتأمل. فكتب لنا عمله الشهير زوربا اليوناني (انقر هنا)، وأعمال كثيرة أخرى أتناول منها روايته الشهيرة الأخرى "المسيح يصلب من جديد". 

المسيح يصلب من جديد رواية فلسفية اجتماعية يشرح من خلالها الإنسان والمجتمع وتناقضاته، صراع الخير والشر، وبالرغم من هذا الموضوع الشائك إلا أن الرواية سلسة سهلة، تأخذ القاريء بتصاعد تدريجي على سلم الإثارة. رواية بطلها الحقيقي هو عيد القيامة وهو أعظم الأعياد المسيحية وأكبرها والذي يستذكر فيه النصارى صلب المسيح وقيامه من بين الأموات بعد ذلك، فمن خلال هذا الحدث ومن خلال شخوص الراوية الذين كان عليهم تمثيل هذا الحدث في اليوم العظيم تم بناء هذا النص الإبداعي.  


اقرأ في هذه المدونة "كيف يمكن لبروست أن يغير حياتك" انقر هنا


نجد أن الأب جريجوريس وأعيان القرية هم من وزعوا أدوار المسيح عليه السلام وتلامذته، وذلك على مجموعة من البسطاء أصحاب الخطايا في نظرهم، فنجد "قسطندي" تاجر لا يحضر للكنيسة بانتظام ويغش بالأوزان أنيط به دور (يعقوب الرسول، تلميذ المسيح الزاهد)، "ياناكوس" بائع متجول يوصل الرسائل بين القرى ويختلس النظر الى المكتوب فيها ويغش في بضاعته، كان له مهمة تمثيل دور (بطرس الرسول)، وهكذا تدرجت الأدوار حتى كان آخرها لمانولي الخادم راعي الأغنام الذي كُلف بتمثيل دور المسيح عليه السلام، وهنا وكأن نيكوس يظهر لنا ماقد تمتلكه السلطة الدينية في المجتمع حيث لها القدرة على إلباس المفسدين ثوب الصالحين والعكس أيضاً كما سيتضح من خلال الحدث الممثل لعقدة النص ألا وهو لحظة وصول أهل قرية القديس جورج التي حرقها الأتراك وشردوا أهلها فعند استنجاد قسيسهم القسيس فوتيس بالأب جريجوريس فما كان رد الأب عليه إلا " ما من شيء يحدث على هذه الأرض إلا بمشيئة الله ... وهو العليم بكل ما اقترفتم من خطايا". هكذا وبكل بساطة حتى لا يساعدهم رماهم بالخطايا وأنهم استحقوا ما أصابهم. عندها بدأ هذا الحدث في تعرية القلوب، فظهرت حقيقة قلوب البسطاء التي أوكلت لهم أدوار المسيح عليه السلام وتلامذته، فهم من أخذتهم عاطفتهم الإنسانية والدينية لمساعدة هؤلاء النازحين، أما الأب جريجوس وأعيان القرية فما كان منهم إلا رفض هذه المساعدة وتشويه صورة كل من يقدم عليها، أشاعوا أن أهل قرية القديس جورج مرضى، وقد ينشرون وباءً قاتلاً، وذلك حتى لا يساعدهم الناس، وعندما لم تجد حيلة الوباء نفعاً تم اتهامهم بالثورة وتقويض أركان المجتمع، أعداء مسلطين عليهم من الخارج، اشتراكيون يريدون تقويض حكمة الله في أرضه، يريدون مشاركة الأغنياء نعيمهم، وهكذا حتى تتم لك السيطرة اخلق عدواً، فكما يقول الأب جريجوريس "نعم، ينبغي أن يكون للقسيس سلطاته وقسوته"، ينبغي أن تكون لكلمة القسيس سطوتها وقوتها، أن تبيد وتقتل إن شاءت". وكان أشد العداء من نصيب مانولي والذي بعد أن أنيط به تمثيل دور المسيح أخذ عهداً على نفسه بأن يتبع خطى المسيح، وهنا يكمن الخطر بحسب الأب جريجوريس إذ يقول: "أولهم مانولي، وهو اخطرهم، لا لشيء إلا أنه لا يوجد ما يؤخذ عليه، يعيش بلا خطيئة.. لا يسرق، ولا يكذب، ولا يزني ولا يحلف.. وهنا إشارة إلى أن أشد من يدعي اتباع المسيح -عليه السلام- وهو الأب (جريجوريس) قد يكون هو أكثر من يعادي متبعي خطى المسيح -عليه السلام- حقاً، وذلك عندما لا توافق هذه الخطى هواه أو مصالحه، وهذا ما قد ينطبق على أصحاب جميع الأديان أو المعتقدات. 


اقرأ في هذه المدونة "خارطة الطريق نحو الغباء" انقر هنا



تمثل الرواية رحلة صراع بين الخير والشر بين الظاهر والباطن، رحلة شوه القساوسة صورة الله والدين من خلالها، اتخذوا الله، رحمته وعقابه مجرد وسائل يرغبّون، ويرهبون المجتمع بها من أجل مصالحهم فقط، يحاولون تعليق العقول والقلوب بالأوهام، يصدّوهم عن استخدام عقولهم بقدر المستطاع، يقول القسيس فوتيس "الإنجيل ليس كتاباً نقرأه بعقولنا، فالعقل قاصر عن إدراك المعاني الشريفة السامية. الإنجيل كتاباً نقرأه بقلوبنا." 
 رحلة لخصتها كلمات مانولي "أنتم أيها القساوسة الذين صلبتم المسيح. لو عاد إلى الأرض ثانية ستصلبونه من جديد".

أما عن ترجمة هذه الرواية فبالرغم من جودتها إلا أنه عابها (من وجهة نظري) بعض التكلّف في المصطلحات والكلمات التي أكاد أن أوقن أنها لم تكن كذلك لا في النص الإنجليزي ولا النص الفرنسي الذي أوضح المترجم شوقي جلال مشكوراً في مقدمته للرواية أنه قارن بينهما حتى يُخرج لنا هذه الترجمة العربية بأفضل صورة، ومن أمثلة ذلك: "وقسا قلبه فبات كالحجارة أو أشد قسوة"، "عضوا على النواجذ"، "بدأ الليل يرخي سدوله ولم يعد القسيس بعد"، هبت ريح صرصر عاتية" وما إلى ذلك من مصطلحات يطغى عليها استخدام اللفظ القرآني كثيراً. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسيح يصلب من جديد/ نيكوس كازانتزاكيس/ آفاق للنشر والتوزيع / ترجمة شوقي جلال.

*****

لمتابعة قناة حرم الجمال (يوتيوب) انقر هنا 
لمتابعة قناة حرم الجمال (تيليجرام) انقر هنا 
بودكاست حرم الجمال (ساوند كلاود) ( انقر هنا)
بودكاست حرم الجمال (أپل بودكاست) ( انقر هنا)








تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

رواية خرفان المولى (نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)

توأم الروح