من طب العيون .. لامتاع العيون!





هل من الممكن أن تكون زيارة متحف فني هي نقطة تحول جذرية في حياة شخص ما؟

سؤال عبثي. قادني البحث عن جواب هذا السؤال إلى العام ١٩٤٧م، لأقرأ عن طالب طب شاب في الثانية والعشرين من عمره، مهتم بالمناظر الطبيعية والفن الكلاسيكي مثله مثل أي شاب يعيش في ذلك العصر ويفتقر إلى الثقافة الفنية اللازمة، وإنما يتبع شغف المجتمع المحيط به والأسماء المشهورة التي يتهافت إليها الجميع كرامبرنت أو آلبرخت دورر على سبيل المثال. وفي إحدى الأيام دعاه أحد أصدقائه في كلية الطب لحضور مزاد علني على مجموعة من الأعمال الفنية، فيقول: "ذهبت وشهدت مزاداً علنياً علي مئتي لوحة، ولم يعجبني منها سوى اثنتين". كانت هذه الزيارة هي الشرارة التي دفعته لزيارة متحف تاريخ الفن (kunsthistoriesches museum ) لأول مرة في حياته، فكانت زيارة مبهرة على حد قوله فمن خلالها أيقن أن هناك جمالاً غير جمال الطبيعة، هناك جمال متناغم  في هذا الكون يوازي جمال الطبيعة. عندها بدأ شغف هذا الشاب بجمع اللوحات الفنية، فكان معياره الأول وهو في ذلك السن هو اعجابه الخاص بالعمل، والسعر المناسب بكل تأكيد ثانياً. 


اقرأ في هذه المدونة "ومضات على حياة بابلو بيكاسو" انقر هنا


هذا الشاب هو البروفيسور الدكتور رودولف ليوپولد والذي درس الطب في  جامعة ڤيينا وخلال دراسته كان ملتزماً بحضور دروس منتظمة في تاريخ الفن متابعاً شغفه بالفن وجمع اللوحات إلى أن اكتشف أعمال الفنان ايغون شيلي (Egon Schiele) في منتصف العام ١٩٥٠، فكون لديه هذا الاكتشاف شغفاً جديداً، وأَسَرته تلك الألوان المائية وتلك المواضيع التي وجد أنها تحاكي اهتمامات ذلك الجيل، بالإضافة إلى أنها توازي الأعمال الكلاسيكية من وجهة نظره من ناحية تقنيتها، عندها ابتدأ رودولف في البحث عن أعمال إيغون وقضى نصف عمره في جمع أعماله والسفر حول العالم لتقصيها. 


رودولف ليوپولد ٢٠٠١م


وبالرغم من أن ايغون شيلي كان يعد من أهم الفنانين النمساويين وخصوصاً في الأعوام الأخيرة من عمره إلا أن نجمه خفت واختفى بعد موته في العام ١٩١٨م، ولم يعد عند النقاد أكثر من مجرد موهبة محلية لا أكثر. ولكن شغف ليوپولد بأعمال إيغون دفعه إلى المشاركة بما جمعه من أعماله في المعارض والمهرجانات الفنية، وهذا ما لعب دورا مهما في سطوع نجم إيغون من جديد، وتم تسليط الضوء على أعماله. قضى بعد ذلك الفترة ما بين ١٩٦٨م – ١٩٧٢م في كتابة دراسة معمقة لأعماله فتتبع التسلسل في أسلوب أعمال إيغون سواء في الأفكار أو التقنية واستخدام الألوان وهذا ما فتح باباً جديداً للدارسين لإعادة النظر ودراسة أعمال إيغون.


بورتريه شخصي - إيغون شيلي ١٩١٢م

 بالإضافة إلى ذلك اهتم ليوپولد بجمع أعمال غوستاف كليمت (Gustav klimt) أوسكار كوكوشكا(Oskar Kokoschk) ريتشارد غيرستل (Richard Gerstlكولومان موسر (Koloman moser) ألفريد كوبين (Alfred Kubinوغيرهم الكثير وبذلك جمع ما يزيد عن خمسة آلاف عمل فني من لوحات ومقتنيات فنية أخرى. عندها بدأ في التفكير بطريقة يحافظ بها على هذا الكم الكبير من الأعمال وهذا ما يجب أن يفكر به كل جامع للأعمال الفنية، فتوصل إلى اتفاق مع الحكومة النمساوية  والبنك النمساوي لبناء متحف يضم هذه المجموعة فتم بناء متحف "ليوپولد" وتم افتتاحه في العام ٢٠٠١م وأصبح من أكثر المتاحف أهمية في ڤيينا ومن أكثرهم زيارة لما يحتويه من توثيق للفن النمساوي الحديث ولتنوع المعروضات وأصالتها ولاحتوائه على أعمال لفنانين من أمثال آلبين إيغرلنز (Albin Eggr-lienz) وآنتون كوليغ (anton kolig) وغيرهم وهذا ما يعطي هذا المتحف هذه القيمة الرفيعة بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي في المنطقة المركزية للمتاحف في فيينا  فيعد حلقة وصل بين متحف تاريخ الفن (kunsthistorisches museum) ومتحف تاريخ الطبيعة والمكتبة النمساوية الوطنية ومتحف ألبرتينا.  تولى الدكتور رودولف ليوپولد إدارة المتحف منذ افتتاحه حتى مماته في التاسع والعشرين من شهر يونيو ٢٠١٠م عن عمر يناهز الخامسة والثمانين، ومازالت زوجته الدكتورة إليزابيث ليوپولد صوت أساسي على لائحة إدارة المتحف حتى يومنا هذا. 


رودولف وإليزابيث

 اقرأ في هذه المدونة "فريدا كالو..أيقونة الحركة النسوية" انقر هنا 


** لائحة لبعض الفنانين الذين احتوى متحف ليوپولدعلى أعمالهم وهذا على سبيل المثال لا الحصر:

- Herbert boeckl
- Ferdinand Georg Waldmüller 
- friedrich Gauermann.
- Emil Jakob
- Anton Romako
- Carl Schuch



لمتابعة قناة حرم الجمال (يوتيوب) انقر هنا 
لمتابعة قناة حرم الجمال (تيليجرام) انقر هنا 
بودكاست حرم الجمال (ساوند كلاود) ( انقر هنا)
بودكاست حرم الجمال (أپل بودكاست) ( انقر هنا)



تعليقات

إرسال تعليق

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

توأم الروح

من حياة الأدباء | ٠١| أونوريه دي بلزاك