التاريخ .. بين العلم و علو الهمة (1)


نظرت نظرة متأملة على ما يتداوله المثقفون و أساتذة الجامعات في حواراتهم العامة أو الخاصة عن أبناء هذا الجيل , فمنهم من يقول بأننا جيل منجذب للحضارة الغربية لحد الإنبهار مما أدى بالضرورة إلى  جيل محبط نفسياً منهزم داخليا فعُكس هذا الانهزام على المظهر من ناحية و السلوك الخارجي من ناحية أخرى, فأصبح جيلاً يغلب عليه الكسل و البلادة يفتقر لعلو الهمة و العزيمة المتّقدة.

فأجد نفسي عند تمحيص هذا الكلام و التفكر فيه أنه كلام تنظيري لا يمت لواقع هؤلاء بصلة, كلام إنشائي يقضون به مجالسهم و يعكس لسامعه اهتمامهم بأبناء هذا الجيل , أو على أقل تقدير تحسرهم و حزنهم عليه فقط لا غير.

فأنت أيها المثقف, أنت يا أستاذ الجامعة أيها القاطن في برجك العاجي ذاك, أليس من مسؤولياتك شحذ الهمم و غرس بذرة التفاؤل في قلوب هؤلاء الشباب ؟؟

فكيف نريد لهذا الجيل العزيمة و الإباء و التقدم العلمي, بدون ربطه و لو (ذهنياً) بعزيمة و همة الجيل الأول من العلماء, أخص بالذكر العلماء لأنه مسار حديثي الآن , فأنا شخصياً لا أذكر على حد علمي بأن هناك مقرر رسمي أو تحفيزي أو مجرد معلومة هامشية عن أي من علماء المسلمين الأوائل , ولا أذكر أي من أعضاء هيئة التدريس الموقرة بالجامعة ذكر لي عالماّ من علماء المسلمين أو أي من انجازاتهم خاصة في مجال دراستي الطبية.

كل ما كنا نسمعه و نراه يكرس للإحباطات النفسية و إلى دنو الهمة من أدق التفاصيل لأكبرها ممن يُفترض أن يكونوا قدوة لنا في العلم و الالتزام و علو الهمة فلم نرى من (أغلبهم) إلا عدم الإلتزام بالوقت, عدم احترام المواعيد, بيروقراطية و محسوبيات و فوق كل ذلك إرسال الرسائل المباشرة و المبطنة بالصراحة أو التلميح بأننا مهما عملنا و اجتهدنا فلن نصل إلى ما وصل إليه الغرب..

أفليس هذا تكريساً للإحباط الذي يَسِمونا به في مناظراتهم و مجالسهم و سهراتهم ؟؟

و أنا هنا لا  أحصر ذكر العلماء الأوائل للناشئة أو الطلاب في الجامعات كلاً حسب تخصصه كطريقة وحيدة لتحفيز و شحذ الهمم لكن أعتقد أنه عامل نفسي مهم, و طريقة مهمشة او مُستهان بتأثيرها, فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة. مع التشديد على أن ذكرهم يجب أن لا يكون من باب العلم بالشيء فقط أو بطريقة التلقين التي أعيتنا و أعيت من قبلنا , و إنما بطريقة إبداعية تحفيزية , لتصل إلى القلوب و من ثم العقول.  

 في الجزء الثاني من هذا المقال سأورد بإختصار شديد أمثلة ( مجرد أمثلة) على أوائل الإنجازات و الإسهامات للعرب و المسلمين في مجال الطب (كمثال) لكي نعرف مدى التقصير المؤسساتي في تأصيل هذه المعلومات في قلب و فكر كل طالب و متعلم لتكن بذرة نبات العزة و العزيمة.   

تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

رواية خرفان المولى (نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)

باهَبَل مكة Multiverse - رجاء عالم