الكتاب .. ما بين التغرير و التفكير
النظام – الثوابت – التقاليد أو بمعنى آخر السياسة - الدين - الجنس هذه اضلاع
مثلث (المنع) فلكل مجتمع نظامه و ثوابته و تقاليده فيختلف الكتاب الممنوع من مجتمع
لآخر .. ولكن السؤال هنا في ظل هذا الإنفتاح المعلوماتي و الثقافي و سهولة الوصول
إلى المعلومة سواء صحيحة أو مغلوطة هل يجدي (المنع) ؟؟
فأعتقد في ظل هذا الإنفجار المعلوماتي
سيكون للمنع سلبيات أشد و أعتى من عدم المنع , فبحسب رؤيتي فمسار هذه السلبيات كما
يلي :
أ - يصدر الكتاب ..
ب- يمنع الكتاب. ( إما لمحتوى يناقض أحد
أضلاع مثلث المنع و إما لمجرد سيرة كاتبه التي لم ترق للمراقب )
ج - يتهافت الناس المهتم و غير المهتم على
الكتاب و يحصلون عليه بكل سهولة ..
د - و بما أن الكتاب ممنوع فمناقشة أفكاره
تدخل في دائرة ( المحرم أو العيب ).
فلا يجرؤ طالب مناقشة والده أو معلمه أو شيخه أو حتى مجتمعه فيقرأ الكتاب و ينكفيء على نفسه يتشرب الفكرة و يبلورها بمفهومه الذي
يمكن أن يكون خاطئاً بالكلية.
فبذلك ساعدت الرقابة من حيث لا تعلم أو
تعلم بنشر أفكار لم يخطر لقارئها أن يكتشفها أو يبحث عنها قبل (المنع). و ساعدت أيضا في جعل هذه الأفكار محظورة التداول و النقاش بوسمها (ممنوعة).
كتب إبراهيم التركي في كتابه (وفق التوقيت العربي – سيرة جيل لم يأتلف)
أساءت (الرقابة) إلى الوعي غير المؤطر – وأسهمت من حيث لم يشأ مخطوطها – في نشر
الثقافة المصادرة و بدأ الكتاب و الشريط و المجلة الممنوعة تأخذ طريقها إلى كل
العقول و العيون حتى التي لم تكن يوما تأبه بها ..
و يكمل مستطرداً في نقطة أخرى : و حين كان
كتاب ( حياتنا الجنسية ) و هو كتاب علمي للدكتور صبري قباني يصل بالتهريب كان
الجميع يقرأونه , وإذ أذن له رسمياً في وقت وزارة إعلام محمد عبده يماني لم يعد
يشتريه سوى المهتمين ..
فالسؤال الذي سأواجهه الآن و هل نحن مهيؤون لهذا الانفتاح في
الوقت الراهن ؟؟
جوابي : لا... لأننا مجتمع أُوهمنا
بالخصوصية (السلبية) و النظرة (التصنيفية) فأي ثقافة لم نعتد عليها فهي خاطئة ضالة
!!
فنحتاج
الى بنية فكرية شاملة في كل المجتمع بحيث يأتلف النشأ على الإلتحام بالثقافات و
الأفكار و يتيقن بأن هناك ثقافة غير ثقافته ليست بالضرورة منحلة أو ضالة فلسنا
الوحيدين الذين ينشدون الطهارة و الصلاح, على النشأ أن ينشأ عارفاً و ممارساً كيفية تنقيح الأفكار و مناقشة سلبياتها
و استنباط إيجابياتها , فنأخذ إيجابياتها و ننبذ أو نصلح سلبياتها.
نحتاج إلى تقارب بين الولد ووالده و الطالب
و معلمه لمناقشة الأفكار و تنمية الفكر بدلا من (القمع) و (التسفيه) فالمنع بلور و
أوغل الفجوة فملأها الانترنت بالآراء و الأفكار فاصطاد في عكر هذه الأفكار المخرب
و المنحل و المفجّر و كلاً على هواه سيَر (المكبوت). فأنتجنا مصطلح ( المغرر بهم )
..
فمن أعد و أسمد و أخصب الأرض للتغرير؟؟ ولم
يعد و لم يهيء و يخصب أرضا للتفكير؟؟
"فويل للمكبوت حين ينفتح أمامه القمقم
فيظن نفسه مارداً يمارس كل ما منع عنه في مرحلة الإغلاق"**
فالمنع (لم) و (لن) يحمي المجتمع كليا و
إنما التثقيف, احترام العقل و الحوار المنطقي هو السبيل إلى ذلك.
فلا نريد أن نستسلم لمن يقول لنا ما قاله
الرصافي متهكماً
يا قوم لا تتكلمــوا إن
الكلام محرم
ناموا و لا تستيقظوا
ما فاز إلا النُوَمُ
وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا
فدعوا
التَفهم جانبا فالخير ألا تفهموا
و تشبثوا في جهلكم فالشر أن تتعلموا
__________________________________________
** وفق التوقيت العربي - سيرة جيل لم يأتلف , ابراهيم عبد الرحمن
التركي
تعليقات
إرسال تعليق