ابتسموا بالكتب .. حين يكون التخلي انتصاراً
"الطائر الجالس على غصن شجرة لا يخشى انكسار الغصن لأنه لا يضع ثقته فيه، بل في جناحيه"
ابتسموا بالكتب، رواية لطيفة تدور أحداثها بين أربع شخصيات، الأب غريغوار الذي تخلى عن حلم حياته بسبب كلمة أنت فاشل عديم النفع، وابنته ألكسيا التي فقدت سعادتها بسبب التعلق بالماضي نتيجة صدمة، إيدا التي أجلت الاستمتاع بحياتها بسبب فقد زوجها وانتظاره، وسولين التي ابتدأت رحلة حول فرنسا على دراجتها بحثاً عن جواب لأسئلتها المؤرقة.
اقرأ في هذه المدونة "سيدة الفساتين" انقر هنا
أحداث الرواية تبدأ بحادث سير تتعرض له والدة ألكسيا، تموت فيه هي وزوجها وابنيها وكانت الناجية الوحيدة هي ألكسيا لأنها المراهقة المتمردة التي رفضت الذهاب معهم، فتعود ألكسيا إلى أبيها الذي لم تعرفه، فتبدأ بالتعرف عليه من جديد، ومن هنا نبدأ في الغوص أكثر في صعوبات التربية وخصوصا مع المراهقين، صعوبة فهمهم والتواصل معهم، وهذا ما دفع غريغوار ليتساءل دائماً "كيف يمكن أن يتعلم المرء أن يكون أباً لمراهقة لم يعد لها أي ملاذ آمن؟" يستعين غريغوري بإيدا المرأة المسنة لخدمته ومراقبة أليكسا ومساعدتها، وتسوق الأقدار إليهم سولين وهي الفتاة التي تجوب فرنسا على دراجتها لتقيم معهم، فتبدأ سينثيا كافكا برسم لوحتها الأدبية بهدوء من خلال السرد بضمير المتكلم على لسان هؤلاء الأربعة بالتناوب.
الأب غريغوار عاش في بيئة قاسية مع والد عنيف لا يسمع منه إلا كلمة أنت فاشل، أحمق، كسول، فترسخت هذه الكلمات في عقله ولم يستطع التخلص منها فباءت علاقته بأم ألكسيا بالفشل وهجر ابنته وهي صغيرة لأنه مقتنع بأنه فاشل لا يمكن أن يكون أباً صالحاً، فسيبقى دائما عديم النفع. هنا نلاحظ أثر الكلمات التي نتلفظ بها ولا نلقي لها بالاً مع أطفالنا، هذا العنف اللفظي له نفس تأثير العنف الجسدي، هو صدمة يتعرض لها الطفل تدوم معه إلى آخر عمره.
اقرأ في هذه المدونة "جورج أورويل ١٩٨٤" انقر هنا
ألكسيا مراهقة تتعرض لصدمة فقد والدتها وأخويها وتبقى بلا عائلة فتمر بكل أعراض كرب ما بعد الصدمة من التعرض للحزن والغضب والعيش في الماضي وعدم ملاحظة الحاضر، الخوف من السعادة، تشعر بالذنب في أي لحظة سعيدة تمر بها، وتشعر بأن سعادتها خيانة لأمها وأخويها. تقول أليكسا " الصدمة التي تلقيتها أفقدتني القدرة على الإحساس، وشلت تفاعلي مع كل ما يحيط بي".
سولين شابة انتحر أخوها بدون أي سابق انذار بدون أن يترك أي رسالة، فعاشت في الفراغ تتساءل عن السبب، فتوصلت لفكرة ملاحقة ملاحظاته التي كان يكتبها على الروايات والكتب التي يقرأها ثم يضعها في المكتبات المفتوحة في الحدائق حتى تسافر بين القراء، لعلها تجد بين تلك الملاحظات رسالة تفسر سبب انتحاره. عندها بدأت الجولة التي غيرت حياتها، فتقربت من نفسها أكثر وعلمت أننا في هذه الحياة يجب ألا نتوقف أبداً وإلا ستتجمد الحياة، وهذا ما تفعله الصدمات بأنواعها من كلمات، أحداث، أو أشخاص، في حياتنا، نتوقف عندها ونعيش في دائرتها مقيدين بها، فتفوتنا الحياة، لا نستطيع أن نغير ما حدث ولا نستطيع أن نعيش أو نستمتع بحاضرنا أو نخطط لبناء مستقبلنا.
اقرأ في هذه المدونة " كيف يمكن للفن أن يغير حياتك " انقر هنا
هكذا كانت سولين التي قابلتهم وأقامت عندهم فترة قصيرة بمحض الصدفة هي نقطة التحول، هي شعلة الإيجابية في حياتهم، فهكذا هي الحياة قد تسوق لنا شخصاً ما، حدثاً ما بمحض الصدفة قد يغير حياتنا. سألوها، كيف تعيش بهذه الإيجابية، فكان جوابها أنها تعلمت من أخيها ووضعه الكتب في المكتبات المفتوحة أنه "من السهل جداً أن نسعد الآخرين إذ يكفي أن نضيف لمسة إيجابية بسيطة إلى حياتهم اليومية"، وأن ما نحتاج إليه "هو التخلي عن الأفكار المسبقة، وأن السعادة لحظة جميلة تستحق أن تعيشها، علمتهم "أن الأمل يبقي الانسان حياً، واليأس يقتله" و "أن الوقت لا ينتظر أحداً".
هذه الرواية، رواية عن الحياة والموت، عن الشعور بالذنب، عن التخلي، والمضي قدماً. الحياة لا تتوقف على أحد، ولا تتوقف على رأي أي شخص فينا، أو على حدث مررنا به، كل ما يجب أن نفعله هو أن نتخلى عن الأفكار المحبطة، أن نغير مكاننا، فلعل المكان الجديد يجعلك الشخص الذي تريده، ولا نتعلق أبداً بـ "ماذا لو". انكار الحزن ليس هو الحل، بل الايمان بأنه مرحلة وستنتهي، الإيمان بأن "الحزن قد يكون جسراً نعبره إلى السعادة".
لمتابعة منصات حرم الجمال (انقر هنا)
ابتسموا بالكتب / سينثيا كافكا
ترجمة خالد الماجري
منشورات ذات ٢٠٢٥

تعليقات
إرسال تعليق