عبادة المشاعر
يناقش الفيلسوف والكاتب الفرنسي ميشيل لكروا في هذا الكتاب الهوس بموضوع المشاعر، حيث أننا نسمع كثيراً عن المشاعر وعلاقتها بحياتنا وكيف أن هناك الكثير من النشاطات والتمارين والجلسات العلاجية من أجل المشاعر، ففي هذا الكتاب يستعرض هذه المشاعر المؤقتة التي أصبح الانسان الحديث يسعى إليها، يناقش المسار التاريخي للمشاعر من عهد اليونان إلى العصر الحديث وكيف تدرج الإنسان من أن المشاعر كانت في ذلك الزمن تعبر عن ضعف الانسان، ثم تصالح الانسان مع هذه المشاعر في عصور الرومانسية ثم أتى العصر المادي وتنحى موضوع المشاعر إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية فظهرت بعد ذلك حركة العودة لتقديس المشاعر ولكن عودتها هذه كانت عودة للمشاعر الانفعالية وليست التأملية أي أصبحت مشاعر مؤقتة وليست دائمة تثري الروح، أي أن هناك صحوة للمشاعر القوية وليس للأحاسيس العميقة.
ما الذي أدى إلى تنحية دور المشاعر؟ وما الذي أدى إلى صحوتها في العصر الحديث؟
السياق التاريخي الذي جعل الانسان الغربي يخاف من هيمنة المشاعر وقوتها هو ما رآه خلال الحرب العالمية من أثر المشاعر التي كان يلهبها هتلر بخطاباته وكيف كان الشعب الإيطالي يهتف لموسوليني فمن هنا كان الخوف من انبعاث المشاعر التي قد تؤدي إلى تعصبات جديدة وحماسة مدمرة، حينها غرق المجتمع الغربي في المادية ونبذ المشاعر، وفي يومنا الحاضر يلاحظ ميشيل لكروا العودة إلى المشاعر وتتجلى ملاحظته في الإعلانات والتسويق وما يتم استخدامه من مصطلحات في هذه الإعلانات التي تحفز المشاعر وأيضاً في الأفلام والمسلسلات يسعى المخرج فقط لإثارة المشاعر فنحكم على روعة الفلم بما يثيره من مشاعر، حتى نقل الأخبار صار يلعب على وتر المشاعر وينقل ما يفرح بشدة أو ما يحزن بشدة، وأصبحت كذلك المشاعر طقساً من الطقوس كما يظهر في الأعياد وفي الهالوينبتهييج مشاعر الخوف مثلاً، وتظهر المشاعر في الاقبال الشديد للأفراد على جماعات التأمل وتحرير المشاعر، وتظهر كذلك عند النشطاء مثل نشطاء البيئة كمثال، فكل ما يقومون به من عبث، كله بسبب مشاعر خوفهم على الطبيعة فيقومون بأفعال لا عقلانية فقط من أجل اثبات هذه المشاعر. مظاهر هذه العودة للمشاعر تتسم بأنها مندفعة وغير عقلانية وليس لها هدف سوى المشاعر بذاتها فهي تفتقر إلى التأمل والهدوء.
فنرى اليوم الإنسان الحديث يسعى خلف مشاعره الفورية القوية يريد الإحساس بلذة هذه المشاعر في لحظة معينه فلجأ البعض إما للإدمان، أو للرياضات الخطيرة والعنيفة أو الموسيقى الصاخبة، كلها ظواهر حركية قوية (فردية) تعطي إحساس لحظي وتنتهي ويعود للبحث عن إحساس قوي آخر ويدخل الفرد بذلك في دوامة تفتقر للتأمل والإحساس العميق.
هذا التطرف في السعي نحو المشاعر أنتج ما أسماه ميشيل لكروا الإنسان الشعوري، هذا الاستغراق في المشاعر عند الانسان الشعوري يجعله لا يرى العالم إلا من خلال المشاعر، فليس للعالم طعم أو معنى إلا بالحواس وبذلك لا يرى في العلم والمعرفة أي متعة أو حياة. وهذا أدى إلى البحث عن المتعة فقط، فالإنسان الشعوري يبحث عن المتعة فقط ويرى أن اكتشاف الذات هو اكتشاف لمشاعره فقط فبدلاً من قول أنا أفكر أنا موجود أصبح الانسان الشعوري يقول أنا أشعر أنا موجود، وهذا ما يدعوا إليه مدربو الصحة النفسية وتطوير الذات، ومن هنا يتطرق الكتاب إلى التأمل.
التأمل كما يصفه مدربو التأمل هو أن تتخلص من عواطفك وأفكارك التي تمنعك من الغوص في ذاتك أو ما يسمى تحرير المشاعر إلا أنه في الحقيقة هذا النوع من التأمل الذي يُروج له اليوم هو الانتقال من المشاعر السطحية إلى المشاعر العميقة، إذن نلاحظ أن التأمل اليوم يدور أيضاً حول المشاعر والمتعة الحسية التي تنتج عن ذلك.
اقرأ في هذه المدونة "التصوير النفسي والاجتماعي للفلسطيني في رواية برتقال اسماعيل" انقر هنا
ما هي خطوات تحرير المشاعر التي يُروج لها اليوم عند جماعات التأمل وتطوير الذات؟
أولاً: التحرر من الاكراهات الاجتماعية فأصبحت إعادة تأهيل المشاعر لا تنفصل عن الاحتجاج على الآداب الاجتماعية، وفي نفس الوقت نجد أن الانسان المعاصر يناقض نفسه فلم يحرر نفسه من كل المشاعر، بل أنه انتقائي فمثلاً الغضب أمام الناس يضر شكلك الاجتماعي أو الوظيفي، قد يضر علاقاتك وسلمك الوظيفي المادي فهنا أنت مدعو للتحكم في غضبك وليس التعبير عنه والتحرر منه.
ثانياً: لا يكفي لتكوين الانسان الشعوري أن يزيح الضغوطات الخارجية من المجتمع ولكن يجب أن يعمل على ذاته والعمل على الذات يعني العمل على الجسد باستعادة الشعور فأتت من هنا الرياضات الجسدية فالإحساس بالجسد يعيد لنا الإحساس بالمشاعر، التمارين الجسدية عبارة عن تمارين تهتم باللمس والشم والتذوق، فهناك مراكز تعطي دورات للعمل على الحواس الخمس، تعلم الشعور من جديد بهذه الحواس بطريقة منهجية وبعد ذلك يأتي التدريب على التنفس بوعي لتتبع مسار الهواء والحرص على عدم تحريك القفص الصدري (الهارا) أي التنفس من البطن حسب الروحانيات اليابانية.
ثالثاً: العلاج النفسي للتغلب على الخوف من المشاعر، التوقف عن صدها، والمغامرة بخوضها فيمر العلاج أولاً بالوعي بهذه المشاعر المكبوتة ثم مواجهتها وهذه العلاجات تكون على نوعين علاجات شفوية أي بالتواصل اللغوي مع المعالج، وغير شفوية وهذه تسمى بالعلاجات الجديدة وهذا النوع من العلاج لا يكون بالتعليق على المشاعر وتحليلها ولكن بالإحساس بها بشدة وتطبيقها، مثلا: جلسات الضرب على أدوات مخصصة لذلك أو الصراخ بشدة كتنفيس عن مشاعر الكره لشخص ما، وهنا لا يحكم الكاتب على نجاعة هذه العلاجات من عدمه، ولكن الاقبال عليها بشدة يعطي دليل على عودة المشاعر بالشكل المتطرف الذي يتبناه الانسان الشعوري والذي تم تصميمه في سياق المجتمع الحديث. هذا النوع من العلاج وحالة الهياج التي يصل إليها الانسان فيه قد تمثل بالشامانية، وهم الكهنة الساحرون في المجتمعات البدائية وهذه حالة مثالية لأنصار هذا النوع من العلاج لأنه يصل بالإنسان للتوهج الشعوري وبهذا يريد أنصار هذا النوع من العلاج اثبات أن المشاعر ليست معزولة ومخزنة في اللاوعي ولكن مخزنة على شكل توترات جسدية يجب أن تخرج من الجسد. في هذا النوع تظهر عبادة المشاعر، أي المشاعر بدون وعي عقلاني، فنلاحظ هنا بعد التأمل أن الهدف ليس التحرر من المشاعر، بل تحريرها.
ناقش الكتاب أيضاً الحاجة الجماعية للمشاعر، فالإنسان بحاجة لأن يعيش مشاعر اجتماعية، فنرى التشجيع الجماعي والحماسي للأندية والمنتخبات الرياضية، الحفلات الوطنية كمثال على هذا الشعور الجمعي، ولكن بعد ذلك كلاً يذهب لبيته وكأن شيئاً لم يكن. هذه الظاهرة قد تناسب الانسان الحديث الغارق في الأنا والفردانية والذي يريد أن يعيش هذه المشاعر فقط لحاجته لها لتكون عوضاً عن انحلال الترابط الاجتماعي الحقيقي الذي لا يريد أن يتحمل تبعاته، فقديماً الانسان عندما يعيش هذه المشاعر الجماعية مع المجتمع والعائلة يطاله أيضاً الاهتمام بهم ومساعدتهم وكل ما يترتب على التشارك الشعوري والاجتماعي، أما اليوم الغرض من هذه المشاعر التشاركية هي سد احتياج شعوري بدون التزامات اجتماعية حقيقية.
اقرأ في هذه المدونة "كوميديا دانتي ٠١" انقر هنا
كيف وصل الانسان الحديث إلى هذه الحالة من التشوه الشعوري؟
هناك مواد أو حالات فرضتها الحياة الحديثة أدت إلى تشوه مشاعرنا وطريقة إحساسنا بها وهي كالآتي: التهيج الزائد للحواس، وأولها التهيج السمعي، هل لاحظتم كم هو صعب داخل المدينة الحديثة وجود مكان هادئ؟ وهنا لا يتحدث عن صخب السيارات أو المصانع، بل عن الموسيقى التي تملأ كل مكان، موسيقى تنشيطية؛ فلا تدخل مركز تجاري ولا مقهى ولا حتى دورات مياه عامة إلا وقد تسمع فيها موسيقى تملأ المكان وهذا ما يسمى بالموزاك وهو عملية تحضير لحواسنا، إخضاع أماكن ساكنة بأكملها لإيقاعات فقيرة في الغالب تقتحم حياتك الباطنية فأصبح الانسان محبوس داخل فقاعة صوتية وصخب دائم، لا يستطيع التفكير أو التأمل في شيء. حاسة البصر تعرضت للتهيج الزائد أيضاً، فالشاشات حولنا في كل مكان والاهتمام بالديكورات والخداع البصري على المسارح، أصبحت هذه المظاهر هي ما يلهب مشاعر المشاهد وبغيرها تصبح المناظر من حولنا بدون طعم أو رائحة، لا نستطيع أن نشعر بها ونراها جامده مملة.
ومما يشوه مشاعرنا أيضاً الجغرافيا واستغلالها لإلهاب مشاعرنا فقط. أصبح هناك ما يعرف بسفر المغامرة السفر للأماكن الخطرة أو محاولة إيجاد التجارب النادرة والغريبة ليس من اجل إثراء روحي أو عقلي أو معرفة مجتمع آخر، لا، إنما الغرض هو الوصول لمشاعر قوية من هذه التجربة فقط، والوصول إلى لذة الإحساس بهذه التجربة، تجربة شعورية صِرفه تفتقر إلى العقلانية أو أي غرض أسمى من تجربة شعور معين.
قد نكون لم ننتبه أو نلاحظ هذه المواد التي تلعب دوراً في تشويه الحالة الشعورية عندنا لأننا كأبناء هذا الجيل وُجدنا في هذا المحيط وهذه البيئة ولم نكن نعلم تأثير هذه الوسائل على شعورنا، بل أكاد أجزم أننا نراها من الأشياء الجميلة في حياتنا الحديثة، جميل أن تستمع للموسيقى في كل مكان، جميل أن ترى الشاشات وإضاءات الإل إى دي والليزر من كل مكان، تعطينا شعوراً بالبهجة. ولكن لو تأملنا قليلاً نجد أنها أثرت فينا وبغيابها أصبحنا لا نشعر بشيء ولا نستمتع بشيء وهذا يعود علينا بالتعاسة والملل. لذلك يريدنا ميشيل لكروا من هذا الكتاب أن نفهم الفرق بين هذه المشاعر القوية والمتهيجة وبين مشاعر الإحساس العميق التي يدعو إليها.
مشاعر الصدمة هي عبارة عن انفجار وتتميز بأنها مشاعر سريعة متتابعة متنوعة فالشخص يدخل من حالة لأخرى بشكل متتابع وسريع بحسب الموسيقى أو المشهد المعروض، لا تجد الوقت لتنضج، أما مشاعر الإحساس العميق هي سيلان يأخذ وقته تدخل إلى أعماق الشخص تكوّن عنده ذكرى فعندها يتحول الشعور إلى إحساس عميق.
مشاعر الصدمة هي مشاعر فعلية كالمفاجأة، الخوف أو الغضب فتكون مرافقة لفعل ما أو تولد فعلاً ما وكأنها مشاعر الانسان البدائي الذي كان يحتاج لردات الفعل السريعة من أجل البقاء فنجد أننا نتحرك بدون إضاعة للوقت في التأمل في هذا الشعور أو ذاك، أما مشاعر الإحساس التي نريد أن نصل إليها فهي تحتاج للتأمل نستوعب الشعور نحلله ونستلذ به على مستوى عقلاني نفهم به ذواتنا.
مشاعر الصدمة عبارة عن اهتزاز سطحي عنيف آني، يسقط في الحال ما إن يبلغ ذروة قصوى، أما مشاعر الإحساس العميق فيشبهها لاكروا بالطمي، تدخل إلى أعماق الأنا وبتفاعلها مع الحياة الباطنية تصبح مصدراً للغنى تساهم في تأمل الشخص لذاته وتعرفه على خصوصيات نفسه فنتعلم منها شيء عن ذواتنا.
وأخيراً مشاعر الإحساس العميق تكون جاهزة للاستحضار بعد مدة طويلة لتعطي نفس الانطباع الأولي لذلك نجد ذكرى واحساس عميق عندما نستذكر جلسة مع حبيب أو لوحة تأملناها أو حالة سكون في الطبيعة أما مشاعر الصدمة تعطي عادة ذكرى مريرة، تأثيرها على المدى الطويل هو في الغالب شعور مضاد لما أحس به في البداية، إحساس عنيف وقوي لا يضيف للروح شيئاً.
اقرأ في هذه المدونة "في مديح الموت" انقر هنا
ما هو تأثير هذا التلوث الشعوري علينا؟
أولا: فقد الانتباه، فعجْزنا عن الدخول في هدوء الإحساس يجعلنا في تهيج دائم وبالتالي في تشتت مزمن.
ثانياً: انتشار المشاعر السلبية، فمشاعر الصدمة عادة تكون من النوع السلبي، الخوف الاشمئزاز، أو الغضب لهذا فإن مشاعر الصدمة تعزز كل ما هو قبيح ومنفر.
ثالثاً: ننسى كل ما هو طبيعي لأن مشاعر الصدمة تكون مرفقه بما هو اصطناعي فيتم انتاجها بكثير من المنبهات، فهناك اخراج مبهر للأفلام، أشعة ليزر، ضجيج، تقنيات خاصة، فكل ذلك جعل كل ما هو طبيعي ممل فأصبحت الروح ملوثة بالأحاسيس القوية فأصبحت أرواحنا غير منفتحة على جمال العالم. فنجد من اعتاد مشاعر التأمل تكفيه للوصول لحالة شعورية سعيدة نظرة طفل، أو منظر طبيعي هادئ أو غناء طير. فيعطي تشبيه رائع هنا عن مشاعر الصدمة فيقول " إنها تشبه أراضي جنوب الصحراء التي تغرق دورياً بفيضانات مدمرة والتي هي رغم ذلك مفتقرة إلى الماء، كذلك الإنسان المغمور بمشاعر الصدمة، يفتقر إلى الماء الثمين المتمثل في مشاعر التأمل."
رابعاً: مشاعر الصدمة تؤدي إلى تفقير الحياة الباطنية، فيصبح الانسان يجهل ذاته ولا يعرف ماذا يريد لأنه أصبح مشتت والحياة الباطنية أي الذات العميقة تتشكل عبر الذكريات واللحظات التي نكون فيها منفتحين على العالم متنبهين متأملين ما حولنا بوعي فهي عبارة عن ترسب وتكاثف تأملي لتلك اللحظات المميزة التي امتدت في الذاكرة وشكلت الذاتية. وأيضاً مشاعر الصدمة تجعلنا نفتقر إلى الخيال، فالعالم الخارجي يشع بألف لون، أشعة الليزر، والصخب، والموسيقى والديكورات فأصبح كل ذلك أكثر لمعاناً من خيالنا فيقول لكروا " أصبح الداخل متيبساً والعالم بهيجاً، نحن نسكن بقلب فارغ عالماً مليئاً"
ما هو الحل كيف نقلل من أثر هذا الصخب، ونعود لمشاعر التأمل حتى نعرف ذواتنا أكثر ونفهم أنفسنا أكثر ونصل إلى حالة الهدوء والاطمئنان الداخلي؟
أولاً الانفتاح على العالم أن نكون مستقبلين لكل ما يقدمه العالم لنا من تجارب، الحرص على جودة التجربة والاشياء التي نوليها اهتمامنا فيجب أن نتقن فن تذوق الأشياء والأماكن والطبيعة فكل جديد في هذه الحياة يجب أن يجدنا بكامل الجاهزية. السؤال هنا كيف نصل إلى عقلية الانتباه والجاهزية هذه؟
أولاً: التمهل، فأول خطوة لتغيير الحياة الشعورية هو إعطاء الوقت للذات، وإبطاء وتيرة الحياة، فجو البطء هو الذي يسمح بصياغة المشاعر الهادئة التي تسلل إلى الروح وتعمل على تنميتها وينقل عن فريد دوركهايم " الأشياء تخاطبنا إذا منحناها وقتاً للإنصات"
ثانياً: اللامبالاة ويقصد هنا التخلي عن المقاصد النفعية أي أنك تقوم بفعل ما، ليس من أجل غرض مادي أو شهرة أو شهادة، بل من أجل أمر واحد وهو التأمل. فمثلاً أعمال البستنة عندما لا يكون منها الغرض لا الكسب ولا الاكتشاف العلمي ولا الطبي وإنما فقط متعة أعمال البستنة فهذا الانشغال الساكن له سحر لا يمكن أن نحسه إلا في حالة الهدوء الكامل للعواطف وينطبق ذلك على أي فعل تأملي كالرسم أو الكتابة أو القراءة فعندما تكون مجردة من أي عواطف ومشاعر نفعية يكون لها أثر مهدئ يعطي شعورا بالهدوء والسكينة.
ثالثاً: الاهتمام بكل ما هو بسيط وعادي فاكتساب عادة التأمل يتحقق من خلال إعادة الاعتبار للأشياء الصغيرة، إعارة الانتباه لما هو يومي وروتيني وقد أستذكر هنا طريقة مارسيل بروست في التقاط الجميل في كل ما يمر به في الحياة فالجمال موجود في كل ما حولنا على حد تعبيره واتخذ لوحات الفنان جان شاردان مثالاً يؤكد من خلاله هذه الفكرة فلوحاته تصور زبدية فاكهة، أباريق، ركوة قهوة فهذه الأشياء التي مللناها والتي اعتدنا عليها خلق منها شيئاً ساحراً فالرسامين العظماء يلقنونا معرفة وحب العالم الخارجي وكيف لنا أن نفتح أعيننا ونتأمل كل ما حولنا ونستشعر الجميل فيه.
اقرأ في هذه المدونة"كيف يمكن بروست أن يغير حياتك" انقر هنا
رابعاً: التنازل عن القوة وروح التملك، فالرغبة في السيطرة تقتل المشاعر، والرغبة في تملك الشيء تشغلنا عن الانبهار وتأمل جمال الأشياء لأن العواطف تكون منشغلة حينها بعواطف القوة وحب التملك وهذا نتج عن أن كل شيء الآن تحت رهن اشارتنا فلا يوجد فلم سينمائي ولا موسيقى جميلة ولا لوحة رائعة إلا وهي عن بعد نقرة على شاشة هواتفنا المحمولة ففقدنا لذة الأشياء ومتعتها بقوة وصولنا السهل وقدرة تملكها في أي لحظة.
في هذا الكتاب يسرد ملاحظاته عن المشاعر وكيف أن الانسان تطرف في الاهتمام بالمشاعر لدرجة أفقدته الطريق الصحيح نحوها، فلم نعد نستخدم هذه الحالات الشعورية من أجل اثراء الذات بل من أجل المتع الذاتية، وبذلك ناقش ما أصبح موضة في هذه الأيام، وهو الرجوع للذات واكتشافها وهو ما يراه لكروا أنه مطبّق بطريقة خاطئة فهو يرى أن الذات لا تنتج شيء من نفسها وإنما هي نتاج لرواسب الأفكار والمشاعر التي خزناها على طول فترة حياتنا ولا تكون هذه الذكريات والرواسب إلا من خلال تأملنا الذي يثري ذواتنا وبذلك ينعكس علينا، فالحياة الباطنية أو الرجوع للذات يحتاج منا الانفتاح على العالم الخارجي والتأمل فيه واكتساب ما يثري أرواحنا حتى نعود إليها في كل أحوالنا نستمد منها القوة والسعادة والشعور الهادئ والسكينة، فالحياة الباطنية هي انعكاس للحظات عالية الجودة التزمنا فيها بالجاهزية. وهذا ما نفتقر إليه اليوم في ظل هذا الصخب والعنفوان الشعوري الذي أوصلنا إلى أن نسكن هذا العالم المليء بالمباهج بقلب فارغ.
لمتابعة منصات حرم الجمال (انقر هنا)
تعليقات
إرسال تعليق