كوميديا دانتي | ٠١

 

ما هي الكوميديا الإلهية؟ 

لعل هذا السؤال راود الكثير، ما هو محتوى هذا العمل الأدبي الذي أثر في فن الأدب وبقية الفنون منذ قرون، فرُسمت من مشاهده اللوحات، وألّفت المقطوعات الموسيقيه ونُحتت التماثيل وما زال أكثر كتاب العالم شهرة متأثرين بهذا العمل؟ وللجواب على هذا السؤال سأكتب هذه المقالات تباعاً للتعريف بالعمل ولعرض الأعمال الفنية التي عرضت شيء من مشاهد هذه الملحمة. 


الكوميديا الإلهية هي عمل شعري ملحمي ضخم للشاعر دانتي أليغييري يستعرض من خلالها رحلته المتخيلة والتي امتدت إلى سبعة أيام زار فيها الجحيم ورأى العذاب الذي يستحقه البشر على ذنوبهم في الدنيا ثم المطهر وهو كما يظهر من اسمه المكان الذي يتطهر فيه الناس من ذنوبهم ومن ثم الفردوس. 

 

 ولكن ماذا أراد دانتي من هذا العمل؟ 

أراد أن يقيم عالماً جديداً، أساسه العدالة والحرية والنظام، والوحدة، والحب، والأمل. أراد بها تغيير الإنسان وإصلاح المجتمع فدانتي كان ساخطاً على مجتمعه وكان يرى أن تغيير النفس البشرية وإصلاح هذا المجتمع الذي يعيش فيه وصل إلى مرحلة من الصعب إصلاحها بالعظات الدينية والفلسفة، رأى أن القوانين والأنظمة مجرد مظاهر لا تُصلح الانسان حقيقة إذا لم تتغير الروح في باطنه، لذلك لجأ إلى الفن، فكان يرى أن الفن والابداع تنفذ إلى الروح والنفس البشرية قد يأسرها الجمال وتتأثر به، فلجأ إلى الأدب لكتابة هذه القصيدة وهذه الرحلة ليعرض كل رؤاه في معنى الخير والشر، ليمارس من خلالها الانتقام الذي كان يتمناه لمجتمعه وعلى من كان يسخط عليهم في ذلك الزمن. 

 

ولد دانتي في عام ١٢٦٥ وتوفي عام ١٣٢١ أي أنه عاش في العصور الوسطى وبهذا العمل خرج عن قوانين ذلك العصر وكسر الحواجز والتابوهات، فنراه وضع البابا في الجحيم لأنه هدد مصالح مدينته فلورنسا، ووضع بعضاً ممن اتهموا بالهرطقة في الفردوس لأن فضائلهم لم يقدرها المجتمع في ذلك الزمن. استعرض أيضاً تاريخ فلورنسا والصراعات السياسية في ذلك الوقت، ونرى في العمل كثيراً من التأثر بأفكار العصور الوسطى وطريقة العيش في ذلك الزمن وأيضاً بالرؤى التصويرية للعذاب والنعيم في الكتاب المقدس عندهم. 

 

وحتى نتصور هذه الرحلة ويسهل علينا استيعابها، الرحلة تبدأ بالجحيم، وقسم الجحيم إلى قسمين؛ جحيم عليا وجحيم سفلى، وتتوزع على هذين القسمين تسع حلقات، ويسكن كل حلقة نوع من الآثمين مقسمين على حسب آثامهم وشدتها.



رسم توضيحي لحلقات الجحيم في الكوميديا الإلهية | دانتي أليغييري


 

وأولى هذه الحلقات الحلقة الأولى والتي أسماها "اللمبو"، وهو مقدمة للجحيم، ثم الحلقة الثانية ومنها تبدأ الجحيم الحقيقية، والحلقات من الحلقة الثانية إلى الخامسة تمثل الجحيم العليا، وخطايا الأشخاص الذين يسكنوها أخف من غيرهم والجحيم الدنيا تتكون من أربع حلقات من الحلقة السادسة إلى التاسعة ومن يسكن هذه الحلقات أناس خطاياهم أكبر، والشر والفساد عندهم كان مصدره انطباع نفوسهم عليه.  

 

الرحلة في الجحيم بحلقاته التسع تأخذ اليوم الأول والثاني من الرحلة، ومن اليوم الثالث تبدأ الرحلة في المطهر وتأخذ رحلته في المطهر اليوم الثالث والرابع والخامس، ومن بداية اليوم السادس يصل إلى الفردوس وتستمر إلى نهاية اليوم السابع. 

 

ومن الناحية الأدبية يمثل الجحيم الشباب الحر الطليق والطيش والغرائز الإنسانية والخطيئة والحياة الدنيا، ويمثل المطهر التجربة والنضج والتوبة والتطهر والأمل، أما الفردوس فيمثل الكهولة والطهارة والصفاء والخلاص وهكذا من خلال الكوميديا صور حياة الانسان كاملة بكل تقلباتها. بداية من المقال التالي نبدأ هذه الرحلة المليئة بالأحداث والمشاهد والأشخاص. 



ملاحظة: وهذه المقالات هي مجموعة النصوص المكتوبة لبرنامج "كوميديا دانتي" والذي أقدمه على قناتي حرم الجمال على منصة اليوتيوب، تسعدني متابعتكم، ويسعدني اشتراككم ومشاركة محتوى العمل وع من ترون أنه يهمه. 



لمتابعة جميع منصات حرم الجمال

(انقر هنا)





تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

رواية خرفان المولى (نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)

توأم الروح