كوميديا دانتي | ٠٥

 


كانت المواجهة بين دانتي وفرجيليو والشياطين على مدخل مدينة ديس محتدمة وكان هناك رفض قاطع من الشياطين الحارسة للجحيم السفلى بنزول دانتي، ودخل في نفس دانتي الخوف والشك أيضاً بإكمال الرحلة وخلال تلك اللحظات توجه نظر دانتي للبرج العالي للمدينة ورأى ثلاث جنيات، 

 

جذبت كل انتباهي، نحو البرج العالي ذي القمة المحمرة،

حيث انتصبت في مكان منه فجأة ثلاث جنيات جهنميات مخضبات بالدم، لهن أعضاء النساء وشكلهن،

وتمنطقن بهيدرات شديدة الخضرة، وكان لهن مكان الشعر أفاع صغار وأخرى ذوات قرون، أطبقت على وجوههن المرعبة.

وذاك الذي عرف جيداً وصائف ملكة البكاء الأبدي، قال لي: انظر الجنيات القاسيات.

 

وملكة البكاء الأبدي هذه هي بروزربينا وسآتي على ذكرها لاحقاً.

وهنا يصور غوستاف دوريه الجنيات ظاهره الحيات على رؤوسهن وأجسادهن:


وحتى نتخيل الصورة بشكل أعمق نرى في هذه اللوحة لويليام أدولف هؤلاء الجنيات ونرى الأفاعي الصغيرة مع الشعر:


أما الهيدارات التي تمنطقن بها الجنيات فهي حيات متعددة الرؤوس كما تذكر الميثولوجيا القديمة وحتى نتصورها نرى هذه اللوحة لغوستاف موري ونرى مواجهة هرقل لهذه الحيات: 


ما زال الوضع شائك ومازال منع دانتي من الدخول إلى الجحيم السفلى مستمراً، يصف دانتي الموقف:
 

 

قلن وهن ينظرن جميعاً إلى أسفل: "تعالي ميدوزا إننا سنحوله الآن إلى حجر هكذا، لقد أخطأنا إذ لم ننتقم من تيزيوس على هجومه"

استدر إلى الوراء وأغلق العينين إغلاقاً، لأن جورجِن إذا ظهرت ورأتها عيناك فلن يكون هناك رجوع إلى الأعلى أبداً"

 

إذن، حاولن الجنيات تحويل دانتي إلى حجر وسيكون ذلك بمجرد أن ينظر إلى ميدوزا، فمن هي ميدوزا؟ هي شخصية خرافية من الميثولوجيا القديمة كانت لفتاة جميلة حول بوسيدون شعرها إلى أفاع وتعرف "بجورجون" وقد صورها كارافاجيو في لوحة مؤثرة إذ تظهر جاحظة العينين فاغرة فاها وتظهر في ملامحها القسوة والوحشية، وقد تكون هذه نسخة من لوحة مفقود لليوناردو دافنشي.

ميدوزا - لوحة للفنان كارافاجيو

سيرة الفنان كارافاجيو - برنامج سِيَر - حرم الجمال


ولكن ماذا عنت الجنيات عندما قلن لقد أخطأنا عندما لم ننتقم من تيزيوس على هجومه؟ 

تيزيوس هذا ملك أثينا وفي الميثولوجيا أنه نزل إلى الجحيم لإنقاذ بروزرپينا إبنة جوبيتير التي خطفها بلوتوس الشيطان وأصبحت ملكة الجحيم، فالجنيات يعدن بالذاكرة لو أنه تم القضاء عليه لما تجرأ إنسان حي أن يعود للجحيم كما يفعل دانتي الآن. 

 وكانت حماية دانتي هي بأن لا ينظر إليها ولا يفتح عينيه إلى أن أتى رسول الماء ليفتح المدينة لدانتي وفرجيليو ويصف دانتي لحظة وصول هذا الرسول من السماء:

 

وكان قد جاء فوق الأمواج المضطربة، دوي تكسر مليء بالفزع، جعل كلا الشاطئين يرتجفان،

لم يختلف هذا عن ريح عاتية تولدت عن حرارة متضادة تعصف بالغابة دون توقف

تحطم الفروع وتطرحها أرضاً وتحملها بعيداً وتمضي شامخة تحدو زوبعة من الغبار وتدفع الوحوش والرعاة إلى الهرب

 

حينها فتح رسول السماء السماء لدانتي وفرجيليو ووبخ الشياطين على صلفهم ومعارضتهم إرادة السماء بوجود دانتي في هذا الموقع.وهذه صورة توضح فتح الباب من قبل الرسول لدانتي وفرجيليو: 


يصف دانتي الدخول: 

 

ودخلنا هناك دون عراك وأنا الذي كانت تساورني رغبة ملحة في أن أرى حال من تضمهم مثل تلك القلعة،

أسرح عيني فيها حواليّ لما صرت فيها، وأرى على كلتا اليدين سهلاً فسيحاً مليئاً بالعذاب الشديد

 

هنا رأى دانتي مكان فسيح، رأى مقبرة وبين القبور ومنها تندلع النيران وكانت أغطية القبور مفتوحة وتعلو الصرخات من داخلها، عندما سأل دانتي من هؤلاء 

أجاب فرجيليو: 

هنا الهراطقة مع أتباعهم من كل نحلة والقبور مليئة بهم أكثر مما تعتقد 

هنا كل قرين مع قرينه مدفون ويزيد سعير النار ويخف داخل القبور.

وهذه صورة المشهد كما يصوره غوستاف دوريه: 

 

ولكم لماذا وضع دانتي الهراطقة في بداية الجحيم السفلى ولم يدخلهم فيها، أي بعيدين بعض الشيء عن درك هذه الجحيم؟ يقول النقاد لأن دانتي بالرغم من إيمانه بذنب هؤلاء واستحقاقهم للعذاب وفي الجحيم السفلى، إلا أنه احتراماً لحرية التفكير ومحاولتهم لإعمال العقل أعطتهم عند دانتي شيء من المكانة، لذلك لم يصورهم في دركات الجحيم السفلى.

 

يكمل دانتي في الأنشودة العاشرة حال الهراطقة ويصف شيء من تاريخ فلورنسا، ثم ينتقل إلى الأنشودة الحادية عشرة وهنا يتكلم عن مرتكبي العنف بأنواعه من قتل وقطع للطريق، ويذكر معهم مرتكبي خطيئة الخيانة بأنواعها من نفاق، وتملق، ورشوة، وعند دانتي العنف والغدر من أعظم الذنوب لذلك فمرتكبي هذه الخطايا سيملؤون الجحيم من الحلقة السابعة إلى التاسعة، وفي هذه الأنشودة يمهد لما ستكون عليه الجحيم في الأناشيد القادمة.

 

ولكن لما كان الغدر شراً يختص به الإنسان، فإن إساءته إلى الله تزدادك ولذا يستقر الغادرون في أسفل، ويدهمهم عذاب أشد.

الحلقة الأولى كلها لمرتكبي العنف، ولكن بما أن العنف يرتكب نحو ثلاث جهات، فقد قُسمت وأُنشئت في ثلاث دوائر

قد يعنف الإنسان مع الله أو مع نفسه، أو مع الأقربين.

 

هنا يقصد بالحلقة الأولى الحلقة السابعة من الجحيم إلى أن يصل إلى الخونة في الحلقة التاسعة وهي مركز العالم وأصغر حلقة من حلقات الجحيم وأشدها عذاباً.

 

ويبدأ في الأنشودة الثانية عشرة بمرتكبي العنف ضد الآخرين وهنا تبدأ الحلقة السابعة التي يحرسها المينوطاوروس، وهو نصف انسان ونصف ثور وله قصة في الميثولوجيا القديمة تقول بأن باسيفي زوجة مينوس ملك كريت عشقت ثوراً وأنجبت منه هذا الكائن وهذه صورة لباسيفي مع الميناطوروس:

 

في ذلك المكان رأى القناطس وهي كائنات خرافية نصفها انسان ونصفها الآخر حصان، وهي رمز للعنف والغضب"

 


  يقول دانتي: 

وقفت جميعاً حينما رأتنا نهبط، وانفصل ثلاثة من حشدها بأقواس وأسهم مختارة من قبل

وصاح واحد منها عن بعد “إلى أي عذاب تأتيان أيها الهابطان على الشاطئ؟ تكلما حيث أنتما، وإلا شددت القوس.

قال أستاذي: سنوجه الجواب إلى كيرون هناك عن كثب، فلقد أضرت بك دائماً رغبتك المتعجلة هكذا.

 

دار حوار بين كيرون وفرجيليو أوضح فيه فرجيليو أن دانتي هنا ليس للمتعة، ولكن بأمر السماء وطلب من كيرون مساعدة دانتي في هذه المهمة فقال:


ولكن باسم ذلك المقام السامي الذي أحرك من أجله خطواتي في طريق موحش كهذا أعطنا من أتباعك واحداً قريباً منا

كي يرينا مكان العبور، ويحمل هذا الانسان على ظهره فإنه ليس روحاً يذهب في الهواء

فاتجه كيرون صوب اليمين وقال لنيسوس "ارجع وكن لهما خير دليل وإذا اعترضكم حشد آخر فأبعده.

 

في هذا المسير رأى كيف يعذب من اقترف العنف في حق الآخرين وذكر شخصيات كثيرة وعذابهم، هو اغراقهم في نهر من الدم فمنهم من هو غاطس حتى الرموش، وقوم آخرين حتى الحناجر، ثم آخرين خرج من النهر الرأس وحتى الصدر، وهكذا يختلف مقدار اغراق الطغاة في نهر الدم بقدر طغيانهم على الآخرين حتى يجف النهر وينتقل إلى الدائرة الثانية من الحلقة السابعة.



لمتابعة منصات حرم الجمال ( انقر هنا )


 

  

تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

باهَبَل مكة Multiverse - رجاء عالم

عالم صوفي * .. رحلة تطور الفكر الإنساني (٢)