كوميديا دانتي | ٠٢
نبدأ رحلتنا مع كوميديا دانتي والتي تبدأ كما ذكرت بالجحيم، وذكرت أن الجحيم تضم تسع حلقات وتصف هذه الحلقات التسع اثنتين وثلاثين أنشودة، والأنشودة الأولى تمثل مقدمة الكوميديا وتوضح البداية وكيف بدأ دانتي هذه الرحلة، فدانتي وجد نفسه في غابة مظلمة موحشة ورأى أمامه جبل، فحاول أن يرتقي هذا الجبل إلا أن هناك ثلاثة وحوش تمنعه من ذلك وهذا الوحوش رمز الخطايا، وهذه الوحوش هي الفهد ويمثل خطايا الجسد، الأسد يمثل الكبرياء، ثم الذئب يمثل الجشع هذه الثلاث هي أمهات الخطايا عند دانتي والتي تجعل الانسان ينزلق في باقي الخطايا ويصعب بها إيجاد الطريق
وهذه الصورة لغوستاف دوريه توضح البيت من القصيدة اللي يقول فيه دانتي"
"في منتصف طريق حياتنا وجدت نفسي في غابة مظلمة إذ ضللت سواء السبيل".
وعندما تملكه الرعب ظهر له من بعيد شبح فرجيليو الشاعر الروماني العظيم المولود في عام ٧٠ ق.م والذي كان له الأثر الكبير على دانتي لذلك اختاره ليصبح المرافق والدليل له في هذه الرحلة في الجحيم. وفكرة المرافقة في الرحلة هذه استمدها دانتي من عدة مصادر منها مسيحية وأيضاً كما نعرف منها مرافقة جبريل عليه السلام للرسول محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الاسراء والمعراج. ومن الجدير بالذكر هنا بالرغم من تعظيم دانتي لفرجيليو والذي يقول عنه في الأنشودة الأولى:
"يا من أنت لسائر الشعراء فخر ونبراس، عسى أن ينفعني الآن الدرس الطويل، والحب الشديد الذي جعلني أبحث في كتابك. أنت أستاذي ومرجعي، وأنت وحدك من قبست عنه الأسلوب الجميل، الذي أضفى علي المجد".
إلا أن دانتي وضعه في الجحيم، فقد صور دانتي روح فيرجيليو في اللمبو وهو المكان من الجحيم الذي وضع فيه الأشخاص العظماء الذين لم يلحقوا على بعثة عيسى عليه السلام. وهنا يظهر التأثر الديني على دانتي وتأثير أفكار القرون الوسطى، فحتى العظماء وإن كان يجلهم ويعدهم أساتذة له؛ بما أنهم ليسوا على المسيحية فهم في جهنم. وهذه صورة روح فيرجيليو تلتقي بدانتي ليبدأ الرحلة.
الأنشودة الثانية تمثل مقدمة لرحلة الجحيم بشكل خاص، ثم تبدأ الأنشودة الثالثة التي يصل فيها الشاعران إلى بوابة الجحيم وكان مكتوب على بوابتها وصفاً يعبر عما بداخلها
"هنا الطريق إلى مدينة العذاب هنا الطريق إلى الألم الأبدي هنا الطريق إلى القوم الهالكين.. أيها الداخلون اطرحوا عنكم كل أمل"
وليس هناك عذاب أشد من أن يفقد الانسان كل أمل. وهنا يظهر يظهر دانتي وهو يحمل نسخة من الكوميديا الإلهية ، بجوار مدخل الجحيم ، وتظهر الحلقات السبع لجبل المطهر ومدينة فلورنسا على يمين اللوحة ، مع ظهور طبقات السماء فوقها ، وهذه لوحة جدارية لدومينيكو دي ميشيلنو تاريخها ١٤٦٥م وتوجد في كاتدرائية سانتا ماريا ديل فيوري ، فلورنسا ، إيطاليا.
وفي مقدمة الجحيم بعد المرور من بوابتها مباشرة يقع قوم هم في نظر دانتي ممن يستحقون الجحيم وهؤلاء هم الذين لم تكن لهم الشجاعة في الدنيا لسلوك طريق الخير أو الشر، قوم عملوا لمصلحتهم الذاتية، هؤلاء يعدهم دانتي جبناء ليس لهم موقف يذكر في الحياة لا بالخير ولا بالشر، لا هم إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولذلك طردتهم السماء واستحقوا العذاب. يقول دانتي في الأنشودة الثالثة:
"وسرعان ما أدركت في ثقة، أن هذه كانت جماعة الجبناء، المكروهين من الله ومن أعدائه.
هؤلاء التعساء الذين لم يكونوا أحياء أبداً، كانوا عراة وأمعنت في لسعهم الزنابير وذباب الدواب الذي كان هناك.
وأسال على وجوههم الدم الذي اختلط بدموعهم، وجمعته ديدان مزعجة عند أقدامهم.
وعندما مددت نظري إلى الأمام، رأيت قوماً على ضفة نهر كبير، فقلت: (أستاذي، الآن دعني أعرف من هؤلاء، وأي قانون يجعلهم يبدون متهافتين على العبور هكذا، كما يتبين لي في خافت الضوء)
أجابني: (ستصبح الأمور معروفة لك، حينما نوقف خطواتنا على ضفة أكيرونتي الحزينة)
وأكيرونتي هذا هو أول أنهار الجحيم وأكبرها، وتتألف مياهه من دموع المعذبين".
ثم يتفاجأ دانتي برؤية شيخ أبيض الشعر يصيح على المعذبين ثم يخاطب دانتي بقوله وأنت أيها الانسان الحي هنا باعد نفسك عن هؤلاء الموتى، فدانتي يصور نفسه في الكوميديا بأنه شخص حي ولا يجوز أن يكون بين أرواح المعذبين، ومن الجدير بالذكر هنا توضيح أن كل من يقابلهم دانتي هنا هي أرواح المعذبين ولكن أجسادهم ما زالت في القبور وسوف تتحد الأجساد بأرواحها يوم القيامة.
هذا الشيخ ذو الشعر الأبيض هو كارون أحد حراس الجحيم كما ذُكر في الميثولوجيا القديمة
وهذا الظاهر في لوحة غوستاف دوريه هو قارب كارون الذي كان يأخذ فيه أرواح المعذبين وينقلهم إلى ضفة أخرى من العذاب.وهنا يقول دانتي:
"وهناك رأيت شيخاً أبيض ذا شعر عتيق يأتي في سفينة نحونا وهو يصيح ويل لكم أيتها النفوس الخبيثة" لأن كارون في هذه اللحظة كان يعتقد أن دانتي من أهل الجحيم.
وتم تصوير مشهد كارون هذا في عدة أعمال فنية منها هذا العمل لباولو فيتري:
ولعله هنا يصور مشهد غضب كارون من وجود إنسان حي بجسده وروحه وهو دانتي ويظهر غضبه وإشارته على دانتي ويظهر فرجيليو يشرح له ويعلمه أن دانتي هنا بأمر السماء وكانت كلمات دانتي في قصيدته في الأنشودة الثالثة
"وأنت أيها الانسان الحي هنا، باعد نفسك عن هؤلاء الموتى. ولكن حينما رآني لا أحرك ساكناً، قال: ستبلغ الشاطيء من خلال طريق غير هذا وعبر موانيء أخرى، ولن يكون من هنا عبورك، ينبغي أن يحملك زورق أخف.
قال دليلي: لا تغضبن يا كارون، هكذا أريد هنالك حيث يمكن أن يفعل ما يُراد، ولا تسلني عن ذلك مزيدا".
وهنا عمل آخر يوضح كارون وقاربه وهو يحمل أرواح المعذبين، وهذا عمل من جدارية ضخمة تمثل الرحلة لمايكل أنجلو تسمى جدارية الحكم الأخير.
يتبع ...
تعليقات
إرسال تعليق