الحب .. والزواج
هل الحب شرط للزواج؟ هل الزواج شرط للحب؟
جوابي عن هذين السؤالين هو أن الزواج والحب مختلفان، فالحب الذي أقصده،
العشق، الصبابة، الهيام، بكل مسمياته هو العنفوان، والزواج مودة ورحمة، وسَعِد من كان
زواجه مودة ورحمة وعنفوان.
ومن هنا ينبثق السؤال، لماذا يفشل في مجتمعنا (عادةً) الزواج بعد قصة
حب؟ أليس من الأولى استمراره وبسعادة، طالما أنه جمع المودة والرحمة والحب؟
ومن خلال تأملاتي أجد أن الزواج عن حب في مجتمعنا غالباً ما يفشل ليس
لأننا لا نعرف كيف نحب، وليس لأنه ليس من عاداتنا وتقاليدنا أن نحب قبل الزواج، فالحب
شعور وليس شيء يمكن استخدامه أو تعطيله حسب القوانين والعادات. من وجهة نظري كل من
هذه التفسيرات وما شابهها مجرد مشجب نعلق عليه أسباب هذا الفشل.
اقرأ في هذه المدونة "لقاء تاريخي" انقر هنا
لنأخذ القصة من بدايتها وبشيء من التأمل نجد أننا نبني علاقاتنا على
تورية العيوب وإظهار أفضل ما فينا، والأدهى اصطناع الحسن، ثم تأتي الصدمة بعد أن تُكتشف
الحقيقة. يأخذنا العنفوان تارة أو الخوف تارة أخرى من خسارة هذه العلاقة إلى فعل ما
لا طاقة لنا به لإرضاء الطرف الآخر، ومع مرور السنين تنفجر تلك الطاقة وتؤدي إلى ما
لا يحمد عقباه فلكل شيء حد وينتهي وغالبا ما يكون ذلك بعد الزواج عندما تُجلي الحياةُ
الواقعَ وتظهر خباياه.
نتعامى عن الفروقات العلمية والمعرفية، أو الفروق الاجتماعية عند
البدء في علاقاتنا وذلك بدافع الحب وخدعة الرومانسية، هذه الفروقات حقيقة يجب ألا
نغفل عنها، يجب الوقوف عندها كثيراً والتأمل فيها والتفكير في عواقبها بتأمل وعقل واعي
لا بقلب مخطوف حباً وصبابة لأنه عندما تأتي لحظة ينتفي فيها الاحترام يعيب الواحد آخَرَه
بنقصه، وكأنه إنسان كامل خالي من العيوب. وإن فُقد الاحترام فُقد كل شيء.
لنفترض أننا تجاوزنا المراحل السابقة وكل شيء سار على أفضل حال وتم
الزواج، عندها يجب أن نحذر من غياب الواقعية، ونسيان الأصل في الزواج ألا وهو -جانب
المودة والرحمة- ورغبتنا في بقاء العنفوان فقط وكأنه الشرط الأوحد لاستمرار ونجاح الزواج.
يجب علينا ألا نتجاهل أو نغفل عن أن الزواج مشروع حياة وبناء يستند على الكثير من الأمور
المشتركة والهموم المشتركة والمشاريع المستقبلية كالأبناء والتربية، تأسيس مستقبل وجيل
جديد، الحب أحد هذه الأعمدة التي يقوم عليها هذا البناء وليس الوحيد، وتناسي المودة
والرحمة وما تتضمنه، والبحث عن عنفوان العشاق فقط حتماً سيهدد هذا البناء بالتهدم والسقوط.
اقرأ في هذه المدونة "حب في خريف مائل" انقر هنا
ثم نأتي إلى الطامة العظمى – حب التملك والأنانية - لا نؤمن بأن لكل شخص كينونته الواجب احترامها والحدود التي يجب التزامها والطباع والتقلبات الفكرية والنفسية التي يجب التكيف معها واحترامها. فنحن لسنا كالروبوت الآلي يمشي بنسق واحد لا يتغير لا يتبدل ويؤدي ما عليه كما برمجه مالكه. يريد أحد الزوجين آخَرَه رهن إشارته في نشاطه وتعبه، في سعادته وحزنه، يريد أن تُلغى كل المشاعر وبكل أنانية.
إذن يجب أن نتحلى بالواقعية، يجب أن نؤمن أن الحياة
متغيرة ودوام الحال من المحال، الحياة أولويات، أخذ وعطاء، فهذه الواقعية تخفض سقف
التوقعات تجعل الإنسان متصالحاً مع ذاته في بناء علاقاته بشكل عام، تجعله متأكدا من
الشخص الذي يريد الارتباط به على وجه الخصوص، وبكل عيوبه وحسناته. يجب علينا فرض احترامنا
فلا تنازلات ولا خضوع في شيء نعلم أننا لا نستطيع الاستمرار عليه سواء بدافع الحب أو
بفكرة التضحية من أجل العلاقة وهذا لا يتم إلا بالصدق التام مع الذات، لأنه إذا خسرنا
احترامنا لذواتنا خسرنا احترام الآخرين، فالاحترام الواعي المبني على أسس عقلية هو
ما يلغي الفروق الاجتماعية والعلمية ويخرج العلاقة من تخلف العادات ولؤم ونقص الإنسان
إلى رحاب كمال الحب والمحبة.
---------------
لمتابعة قناة حرم الجمال (يوتيوب) انقر هنا
لمتابعة قناة حرم الجمال (تيليجرام) انقر هنا
تعليقات
إرسال تعليق