قراءة في رواية “حب في خريف مائل"
حب في خريف مائل رواية نور
الدين بوخالفة كتبها عنه سمير قسيمي.!
من هنا، من (كتبها عنه سمير
قسيمي) ابتدأت اللعبة السردية، ، ابتدأ بناء العلاقة النفسية بين القاريء و شخوص
الرواية، ، هذه بدعة ذكية ليميل اهتمام القاريء إلى الشخوص و يثير بداخله الفضول،
أوليس الفضول هو أكثر محفزات العقل للبحث و التقصي؟ الإثارة هنا بدأت من قبل
البداية، من الغلاف. هذه الإثارة و هذا الفضول سيؤول إلى بناء علاقة وطيدة بين
القاريء و الشخوص و ستدفعه للغوص في الأعماق الإنسانية للشخوص يشعر بهم و كأنه
بينهم فهم أصحاب الرواية و ليس لسمير قسيمي سوى الكتابة فقد نأى بجانبه و أخلى مسؤوليته و هذه إشارة
أخرى تشي بخطورة ما يتضمنه الحوار "الخوض في مسألة العقائد من شأنه أن يخلق
نوعا من الإرباك أو الاهتمام المفضي لردة فعل ما" و ها هنا تقنية مستحدثة تدعوك
للبحث و التقصي في ما وراء النص. فيأخذ بيدك لاشباع هذا الفضول و اكتشاف من هو نور
الدين بوخالفة، فهو طبيب أسنان متعلم بلغ من العمر عتياً، شعر بالنقص في شبابه فنجده يقول "تلك
طريقتي للانتقام من الطبيعة التي وهبتني شكلا لم يرضني في شبابي" و يقول "أنا التعريف الأكثر دقة للقبح" فنجد أن لهذه السيكولوجية الشاعرة بالنقص
سلبيتها التي تظهر في قوله "إن الحياة التي خضتها بعد الخامسة و الستين لم تضف
إليّ و إلى الحياة إلا أصفاراً إلى اليسار”.
تأخذ الصدفة نور الدين بوخالفة
للقاء رجلاً في مثل عمره فتكون هذه الصدفة محور الرواية. هذا الرجل هو قاسم أمير
رجل أنيق متفائل بالرغم أنه لم ينل من التعليم الكثير. و هنا نلحظ هذا التضاد بين
الرجلين، فكذلك الصدف لا تجمع إلا المتناقضات. فبعد هذا الإمعان من سمير قسيمي في
التعريف السيكولوجي للرجلين يبدأ بسبر أغوارهما و إيضاح التعقيدات و التناقضات
النفسية و الذهنية لكليهما. ليبدأ بعد ذلك في تقويض أركان الطبيعة الانسانية في
التعجل و الحكم بظاهر الأشياء. فتعلّم نور الدين لا يعكس سلبيته النفسية، ابتسامة و
أناقة قاسم أمير لا تشي بماضيه السحيق و حياته المنفلته التي اختارها لنفسه، كان منزله
في سيارته، يحيا حياة شهوانية معتقداً أن السعادة في هذا الانفلات اللا مسؤول. فهنا
يبدأ المنعطف و تبدأ تفاصيل الرواية و نجد قاسم أمير ذو الحياة الشهوانية، حياة
اللاهدف يريد أن يأخذ بيد نور الدين بوخالفة إلى جواب السؤال المؤرق السؤال
الكبير، ما هو سر السعادة في الوجود؟؟ محاولاً اثبات أن السر هو الحب الذي لم
يعترف بوجوده نور الدين لفرط سايكولوجيته السلبية. فنجد أننا في خضم حوار فلسفي
عميق بقدرة سرد فذة، سلسة لم يسقط سمير
قسيمي من خلالها في فخ السرد المسترسل الممل و إنما هو سرد بواقعية عالية تجد فيها
أن المستمع يقاطع المتكلم يجادله، يصحح له، يتضجر تارة و يبتسم أخرى، فهنا نعيش
الحوار كصورة و ليس كمجرد نص.
يستمر الحوار و نلمح ما نعتقد بأنه الجواب، فهل سعادة الوجود في
الانتماء للوطن؟ كيف يكون كذلك إذا لم يعرف هذا الوطن سر وجوده، و طن كفتاة أغتصبت
فاتخذت الدعارة احترافاً فتوهم كل من يطؤها بعشقها. و يستمر السؤال معلقاً. فليس
في الوطن جواب. هل ثمة لحظة محددة يكتشف فيها الانسان غايته في الوجود و سر
سعادته؟ هكذا سأل قاسم نفسه،و كان لصديقه عبدالله صاحب التجربة في البحث عن الله و
عن سر الذات أثر الشعلة فأضاء له الكثير
من الدروب في رحلة الحياة و علمه أن أسمى غاية لحياة أي انسان ليست آكثر من قبوله
لذاته، ليست أكثر من أن يكون هو.
و مازال قاسم يبحث ، فكانت
المفاجأة حيث أنه بلا ميعاد صادف عاهرة، أو كما سماها هو ابتداءاً بحكم الطبيعة
البشرية في الحكم على البشر. و هنا سؤال : مو هو الذي له القدرة في الحكم على شرف
الانسان و عهره؟؟ لماذا يعطي الانسان نفسه بغرور مقيت أو غباء مميت، صفه من صفات
الله؟؟ وجد قاسم ذاته بهذه الفتاة، و جد الجواب في داخله و من خلالها، غير آبه بما
يمكن أن يسأله مجتمعه هل لرجل شريف أن يعشق عاهرة؟ هل لمومس أن تحب؟ و كيف لها أن
تعطي الحب. أسئلة كثيرة يضعها الانسان كعقبات في طريقه ، طريق الصعود لاكتشاف الذات و السعادة و الحب.
و هذه الأسئلة ماهي إلا نتاج الأفكار المعلبة التي نشأ عليها، و لم يتفكر فيها
يوماً.
رحلة قاسم هي رحلة في ذات كل
انسان يفكر فيها دوما بصمت، لكن هاهنا كشف سمير قسيمي عنها الغطاء و أعطاها مكبراً
للصوت لتعلن عن نفسها بأن الجواب أقرب إليها من حبل الوريد، جواب أسهل من المتوقع
أعمق من المتخيل. الجواب في إعمال العقل لاكتشاف الذات و الرضى بها حتى ينفخ الحب
فيها من روحه. فبغير ذلك لا يقوم الانسان الا بتوهم الجواب فتارة يعتقد أن الجواب
في الوطن أو المجتمع أو ظاهر الدين فكل ذلك بدون اقتناع ما هي إلا أسواراً و جدران
يبنيها الانسان في طريق السلام الروحي مع ذاته. فإن عرف جاك روسو حضارة الدول و
المدن ببناء الأسوار فسعادة الإنسان لا تكون إلا بهدم الأسوار، و قبول الذات و
الحب بدون قيود ولا شروط و لا أخذ ولا عطاء و إنما الحب لأجل الحب لأن كل حب، حب
الله، حب الوطن أو حب الناس إن بُني على سبب فسيزول الحب بزوال السبب المسبب له.
حب في خريف مائل رواية ستشعل
فتيل الأسئلة تدعوك للتفكر و التأمل في الكثير من أمر الحب و الروح الإنسانية، أمر الحياة، السعادة، الحقيقة
و الوهم، الدين و الوجود لتوقن "أن الحياة التي لم تعرف الحب حياة فارغة، تزداد
خواء كلما سارت على خط الزمن”*.
تعليقات
إرسال تعليق