لعنة الأبد


 الأبد!

كلمة ترادف الخيبة 

كيف اخترع الانسان االمتغير بحاله، الزائل بطبيعته كلمة كهذه؟ 

كلمة تلخص تهور البشر، غرورهم، وقد أقول كذبهم! 

صداقة للأبد!

حب للأبد!

عداوة للأبد!

لو تفكرنا قليلا قبل النطق بجملة كهذه، لعرفنا مدى طيشنا. 

لو تفكرنا في هذه الجملة عند الاستماع إليها لعلمنا مدى هشاشتها، 

 

خلقنا لنغير، ونتغير، خلقنا لنزول، فكيف لأرواحنا ان تعرف حقيقة الأبد؟ لو توقفنا قليلاً عند هذه الكلمة وتفكرنا فيها وأدركنا الوهم الذي تزهو به لتقزمت كثير من خيبات الحياة، وآلام الروح. 

ولكن الانسان يسلم بهذه الكلمة يضعف أمام سحرها، فيسلم بالحب الأبدي، والصداقة الأبدية، ويكابر وتأخذه العزة بالإثم على أساس فكرة الكره الأبدي، أو العداوة الأبدية، وهذا المنطق، منطق أبدية الكراهية والعداوة، حتى لو انتفت أسبابها تجعل منا نسير في طريق الحياة وكأننا حاملين معول نهدم به كل الطرق من خلفنا. فليس هناك طريقاً للرجوع ولا منفذاً جانبياً للاستمرار فنبقى عالقين في لعنة فكرة الأبد. في لعنة الكراهية والعداوة. 

 

أرى أن هذه الكلمة تقيد ملكات التكيف مع الظروف والتي يجب أن تكون مهارة يتمتع بها البشر، فكرة الأبد تقيد الابداع، لو يعي الانسان خطورة سحر هذه الكلمة ويقاومها بوعي بحقيقة هشاشتها لاستطاع أن يأخذ بروحه إلى بر الأمان دوماً، فحينما يعي الانسان وهم الأبدية وحقيقة التغير نجد أن السبل تتوسع والحياة تزهر.

 

فكيف يكون ذلك؟ أو ماذا أقصد بذلك؟ 

 

إيماننا بالتغير يجعل منا قادرين على تقبل فكرة تغير من نحب فنلتمس لهم بدل العذر ألف عذر لأن الانسان لا يبقى كما هو (للأبد)، مستحيل أن الانسان لا يتغير فبذلك نتكيف مع التغير بطريقة أسرع. الصديق تؤثر عليه الحياة وضغوطها فيتغير حاله ويتقلب مزاجه، فيبتعد... وعينا بذلك يجعل الخسارة متوقعة فتخف وطأتها. هذا ما قصدته بتقزم خيبات الحياة وآلام الروح. 

 

كم نرى من شخص تتوقف حياته بعد انقطاع علاقة كان أسير بوهم الأبدية فيها، فلا يستطيع أن يتجاوزها، يدمر حاضره ومستقبله بفكرة كيف انتهت علاقتي بهذا الانسان، هو قال أو هي قالت نحن معاً للأبد، ولكن لو وعينا بأننا مخلوقات لا نعرف الأبد لخفت وطأة التغير وتبدل الحال وأصبح تجاوز الخيبات أسرع.  

 

حتى نحن على صعيد ذواتنا وعينا بالتغير يجعلنا نستطيع أن نعبر عن ذواتنا عندما نتغير نستطيع أن نشرح لمن حولنا وبكل وضوح بأننا فعلاً تغيرنا بدون أن نشعر بالذنب. ألاحظ عادة أن أي شخص تقول له أنك تغيرت يتحسس من هذه الكلمة يشعر وكأنها إهانة، بالعكس هذا الطبيعي أن الإنسان يتغير. هذا التغير ليس بالضرورة شيء سيء ولكنه الطبيعي، بل حتمي ونستطيع بتقبل فكرته التكيف مع التغير والعيش في سلام أكبر.

 

 

 

لمتابعة قناة حرم الجمال (يوتيوب) انقر هنا 
لمتابعة قناة حرم الجمال (تيليجرام) انقر هنا 
بودكاست حرم الجمال (ساوند كلاود) انقر هنا
بودكاست حرم الجمال (أپل بودكاست) انقر هنا


تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

رواية خرفان المولى (نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)

توأم الروح