الحب سم قاتل!!



كوليت الروائية الفرنسية سيدوني غابرييل كوليت كانت فتاة ريفية فقيرة وقعت في حب الناشر والروائي الذائع الصيت آنذاك هنري فيلارس والذي كانت تُعرف أعماله بإسمه الأدبي (ويلي –Willy) فكانت فرصة عظيمة لعائلتها المتواضعة والفقيرة أن تتزوج ابنتهم من هذا الثري المشهور فكان له ذلك بدون أي نفقات تُذكر. مرت أعمال السيد (ويلي) بشيء من الصعوبات في أعماله الأدبية حتى أنه لم يستطع أن يدفع لمن كان يكتب له أعماله، حتى قارب على الإفلاس إلى أن لمعت في ذهنه فكرة استغلال موهبة زوجته كوليت في الكتابة فدعاها لتكتب له أعمالاً أدبية تصدر باسمه فحققت له ثروة طائلة في ذلك الوقت وهذه الأعمال هي سلسلة روايات (كلاودين) وعندما أرادت أن تحمل إحدى هذه الأعمال اسمها قاومها أشد مقاومة، فامتنعت عن الكتابة له فمارس عليها اشد أنواع العنف حتى أنه كان يحبسها في غرفتها حتى تؤدي كتابة ما يفترض عليها أن تكتبه. وهنا تظهر أنانية الرجل في أعظم صورها فلا يريد لزوجته أن تكون أفضل منه في شيء، استغل جميع مواهبها في الكتابة الأدبية، الروائية والمسرحية وأيضاً مواهبها التمثيلية لكن كوليت قاومت ذلك وحاربت من أجل موهبتها حتى انفصلت عن ويلي في العام ١٩٠٦م ولم تكتمل إجراءات طلاقها منه إلا في العام ١٩١٠م، حينها حققت النجاح فانتُخبت عضوة في أكاديمية غونكور في العام ١٩١٠م ورُشحت لجائزة نوبل في الأدب عام ١٩٤٨م. تناول سيرتها الذاتية مؤخراً فلماً يحمل اسمها (كوليت) من إخراج (وش ويستمورلان - Wash Westmorelan) وبطولة (كييا نايتلي - Keira Knightley) انقر هنا

اقرأ في هذه المدونة "علاج شوبنهاور" انقر هنا

بمحض الصدفة تزامنت مشاهدتي لفلم كوليت مع الفلم الروماني ( حبيبتي آنا – Ana mon amour) انقر هنا. ويحكي الفلم قصة شابة تدعى آنا، شابة مريضة بمرض يصيبها بنوبات ذعر شديدة في حال توترها، بالإضافة إلى أنها من عائلة فقيرة، تنشأ بين هذه الشابة علاقة عاطفية مع صديقها الثري والذي يدرس معها الأدب، تطورت هذه العلاقة وتزوجا بالرغم من مرضها وفقرها وبالرغم من معاناته معها طيلة الفترة التي عانت خلالها من هذا المرض إلا أنه عندما تماثلت للشفاء بدأت العلاقة تسوء وبدأ زوجها (توما) يفقد الميزة التي كان يسيطر بها عليها ألا وهو مرضها، بدأ في فقد الأفضلية، بدأت تتساوى معه صحياً وهنا بدأت العلاقة في الانهيار. فكان هذا هو سر تمسكه بهذه العلاقة ومحاربة أهله من أجلها، السر هو أفضليته التي رأى أنه سيتفوق بها دوماً على آنا. 

والآن قد تسألني عزيزي القارئ عن سر سردي لقصة هذين الفلمين وفي مقال واحد؟ السر هو أنه وبعد مشاهدتي لهذين الفلمين قرأت من خلالهما أن الحب (المجرد)  هو السم القاتل للعلاقة الزوجية، سماً ان لم تكن تحمل معه جرعة كافية من الترياق المناسب من (المودة، الرحمة، والاحترام) سيقتل هذه العلاقة يوماً ما بلا شك.

اقرأ في هذه المدونة "الحب والزواج" انقر هنا 

في كلتا الحالتين اعتمدت العلاقة على الحب المجرد أي (على القشور) بغض النظر عن الحالة الاجتماعية بين الطرفين، الحالة الثقافية، أوالصحية، اعتقد كل منهما أنه بالحب وحسب ستستمر الحياة. 

عندما بادر والدا كوليت بتزويجها من رجل ثري ومعروف لم يفكرا للحظة ما قد يسببه هذا الفرق الاجتماعي من هوة بين الطرفين ستدعو هذا الزوج يوماً ما للتعالي على زوجته وانتقاص موهبتها وانسانيتها، ومن جهة أخرى بسبب الحب تنازلت كوليت عن موهبتها وجهدها لزوجها وسلمته ذاتها، إلى أن اكتشفت بعد مطالبتها بحقها أن العلاقة الزوجية لا يحكمها الحب ولن تدوم بالحب وحده في غياب الاحترام والوفاء. 

آنا لم تكتشف أن علاقتها بتوما أصبح الحب فيها هامشياً بل مضراً وقاتلاً إلا من بعد أن تماثلت للشفاء من بعد أن أصبحت انسانه مستقلة تستطيع أن تشق الحياة بذاتها لذلك يُقال ليس كل من يتقرب منك في ضعفك يريد أن يشد من أزرك بل قد يريد أن يطمئن على استمراره. 

اقرأ في هذه المدونة "سخرية الحياة" انقر هنا

كفانا طفواً على السطح، كفانا تمسكاً بالقشور، ولنقيم علاقاتنا من قبل وأثناء ومن بعد أن تبدأ، أن نقيمها من بعد أن تنتهي أيضاً حتى نأخذ منها العظة والعبرة ونتجاوز أخطاءنا السابقة. فالحب لا يعيش بمعزل عن المتغيرات الاجتماعية والثقافية، لا يعيش بمعزل عن الإنسانية والود والاحترام في حال تأثره بالزمن وتغيرات النفس البشرية. وإن وجدنا حالة أو حالتين هنا أو هناك صمدت واستمرت فهي حالات نادرة ومعزولة، لا نعلم ما كلفه استمرارها من ذوات أصحابها، لا نعرف ما خلفته حياة هذه العلاقة من انكسارات داخلية. واعلم دائماً أن الوجع لا يتحمله سواك ولن يكترث بك أحد عند انكسارك فالرحلة تبدأ من الذات وتنتهي بها، قوي ذاتك ولا تجعلها تستند على أحد حتى لا تسقط يوماً ما وتتهشم. 


لمتابعة قناة حرم الجمال (يوتيوب) انقر هنا 
لمتابعة قناة حرم الجمال (تيليجرام) انقر هنا 
بودكاست حرم الجمال (ساوند كلاود) ( انقر هنا)

بودكاست حرم الجمال (أپل بودكاست) ( انقر هنا)



تعليقات

  1. موضوع قيّم ضد الذكورية التي قتلت الكثير من المبدعات

    ردحذف
  2. مقال قيم...و ثري بالسير و التحليل

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

توأم الروح

تاريخ المكتبات (٣) الحضارات القديمة وأوراق البردي