تاريخ المكتبات (٣) الحضارات القديمة وأوراق البردي
استكمالاً للحديث عن تاريخ المكتبات خلال ما عرف بالحضارات القديمة كحضارة بلاد الرافدين نجد أن استخدام الألواح الصلصالية ساعد على نجاة النصوص التي كتبوها لتخلد تاريخهم وتنقل للأجيال التي تليهم الكثير، إلى أن اختارت بعض الحضارات أن تستخدم لفعل الكتابة مواداً أكثر هشاشة، مما أدى إلى صعوبة نجاة نصوصهم عبر العصور فَلَم يتركوا بذلك لعلماء الآثار الكثير ليجدوه أو ينقبوا عنه.
الحضارة المصرية
القديمة على سبيل المثال ابتدأت نظامها الكتابي قبل ما يربو عن ٣٠٠٠ عام ق.م
ولكنهم اختاروا ورق البردي ليكون المادة التي يكتبون عليها نصوصهم. تفرد المصريون
القدماء ابتداءً بإنتاج هذه المادة ألا وهي ورق البردي وكان حكراً عليهم إلى أن
صدَّره ملوكهم إلى اليونان والرومان بكميات محدودة عمّ بها استخدامه في أغلب
المناطق المحيطة بالبحر المتوسط.
وقد ذُكرت معلومات
عن كيفية صناعة ورق البردي في كتاب التاريخ الطبيعي لبيليني الأكبر (٧٧م) واتضح مع مرور الزمن معلومات أكثر دقة عن طريقة صناعة هذا الورق، حيث كانت تؤخذ سيقان نباتات
البردي وتفصل إلى شرائح مسطحة تُغمر في الماء حتى تفرز صمغ طبيعي، فتؤخذ هذه
الشرائح وتوضع بعضها فوق بعض على طبقتين وبشكل عمودي ثم تُطرق وتتعرض للضغط العالي
حتى تجف فينتج عنها أسطح صالحة للكتابة عليها، فتقطع إلى أجزاء تتراوح أبعادها بين
٢٠-٢٥ سم عرضاً و ١٩-٣٣ سم طولاً وعند الحاجة لتدوين النصوص الطويلة يتم إيصال
قطعة بأخرى لحد ٢٠ قطعة أو أكثر إلى أن تتراوح طول اللفافة ما بين مترين إلى خمسة
أمتار.
لا تعد أوراق
البردي مادة مثالية للكتابة عليها لعدة أسباب منها خشونته التي تؤثر على النصوص
والنقوش المكتوبة عليه مع الزمن، مرونته المحدودة أيضاً، وقابليته للتعفن مع مرور
الزمن، لذلك كان أغلب ما حصل عليه علماء الآثار من ضمن حقبة الحضارة المصرية
القديمة هو النقوش المحفورة على جدران الأبنية.
هناك آثار لوجود
المكتبات التي حفظت سجلات الملوك، والكتب المقدسة فعلاً، حيث نجد معبد حورس بمدينة
إدفو التابعة لمركز إدفو بأسوان في مصر ومعبد رمسيس الثاني بطيبة أيضاً عرف عنهما
احتواءهما لمكتبات مهمة ويقال أن معبد رمسيس احتوى على عشرين ألف لفافة ولكن لم
يستطع علماء الآثار التحقق من ذلك للأسباب السالف ذكرها عن ورق البردي وبذلك يكون
تاريخ المكتبات خلال فترة الحضارة المصرية القديمة فقير في المعلومات المتوفرة عنه
أو عن شكل وتصميم هذه المكتبات أو محتوياتها. ولحسن الحظ أن الحضارة اليونانية
القديمة كانت أفضل حالاً في بعض فتراتها حيث أنها اعتمدت طرائق بلاد الرافدين
بالكتابة على الألواح الصلصالية مما أدى لنجاة بعض من تاريخها وحضارتها إلى
حين.
عرف عن الحضارة
اليونانية خوضها الكثير من الحروب التي لا يحتمل المقال ذكرها مما أدت إلى انعزال
هذه الحضارة وتراجع عملية الكتابة حتى أوشكت على الزوال ودخلت الحضارة اليونانية
إلى ما عرف بالحقبة المظلمة، وفي حدود ٧٥٠ ق.م ولصعوبة الرموز المسمارية والتي
تحتوي على مئات التراكيب والعلامات، استبدلوها بالحروف الفينيقية فكانت أسهل من
ناحية التعلم والتعليم فبدأت عملية الكتابة والقراءة بالإزدهار حتى ظهر أول الكتب
اليونانية كما يقدر العلماء في حدود العام ٥٠٠ ق.م وكان على شكل لفائف مصنوعة من
ورق البردي أيضا وبذلك لم يبقى من محتوى المكتبات الكثير أيضاً خلال الحضارة
اليونانية القديمة بعد استخدام أوراق البردي إلا ما عرف مؤخرا عن المكتبة الأتالية نسبة إلى الأسرة الأتالية
الحاكمة آنذاك في مدينة بيرغامون في تركيا الحالية، وتم التنقيب عنها في النصف
الثاني من القرن التاسع عشر وعثر على إثر أطلالها مبنى مكون من أربع حجرات أكبرها احتوى
منصات حجرية تبلغ أبعادها ٩٠ سم * ٥٠ سم فكان هناك سلسلة من المرويات والنظريات التي تسعى إلى تفسير استخدام
هذه المنصات، إحداها أن هذه المنصات حافظات للكتب وهذا ما وجده العلماء غير مقنع
وبذلك تكون أيضا المكتبة الأتالية أو مكتبة بيرغامون هي أثر باهت لمكتبات هذه
الحقبة من الحضارات القديمة بسبب ضياع ذلك الأثر لهشاشة مادة التدوين التي لم تصمد
أمام كل تلك المتغيرات الزمنية والبيئية.
لقراءة المقال الأول من سلسلة تاريخ المكتبات انقرهنا
لقراءة المقال الثاني من سلسلة تاريخ المكتبات انقر هنا
تعليقات
إرسال تعليق