رُهاب النِّعَم


وهل يصاب المرء برُهاب النعم؟ و ماهية هذا النوع من الرهاب؟ احترت كثيراً هل هو رُهاب النعم أم أرق النعم؟ أصبحت النعم التي نرفل في ثيابها صباح مساء مؤرقة، فعندما تجد من حولك لا يقدر واهب النعم حق قدره يصيبك الفزع والهلع. قال  ﷺ (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا). هذا هو المقياس الحقيقي للنعم، مقياس يهديء الروح ويضع الأمور في نصابها فلا حسد ممن يرى نفسه أدنى من فلان ولا استكبار ممن يرى أنه أعلى من فلان. لحظة تأمل في هذه النعم التي لو امتلكناها وجب علينا الأرق لأننا يجب أن نتساءل هل شكرناه وحمدناه حق شكره؟ هل قدرناه حق قدره؟ فهذه الدنيا حيزت لنا، فمن حازها ومتعنا بها؟ 

هل تفكرنا ماذا لو رفع الله عنا حفظه وأمنه طرفة عين؟ ألا نعتبر مما يحصل حولنا؟ هل حافظنا على أمننا بقوتنا أو ذكاء عقولنا؟ فنجد من يهزأ بتلك البلد لحروب نالت من أمنها او اقتتال أرّق مضاجع أهلها وكأنه بمنأى عن هذا الفزع ولسان حاله سآوي إلى جبل يعصمني! فلا عاصم ولا حافظ إلا الله.

هل تفكرنا في صحتنا في كل خلية ومفصل وعضو يعمل في أجسادنا بدقة متناهية هل هو بسبب قوتنا ام بفضل الواحد الأحد؟!  فنجد من يهزأ بعرج ذاك أو مظهر أولائك. في لحظة قد يكشف الله عنا غطاء الصحة. كم هو مؤرق تخيل هذا المشهد! كم أرقني مشهد ذلك الصحفي في فلم the diving bell and the butterfly عندما عجز عن دفع ذبابة عن انفه، ألهذا الحد ضعف الإنسان، لحد لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ذبابة؟! موقف مفزع، ولكننا ننسى فنطغى.

كم من المأكولات والمشروبات والملبس والمركب في بيوتنا ومن حولنا ونشتكي لا نجد ما نأكل أو ما نلبس، لا نشتهي شيء، ونريد التغيير!لسان حالنا كأهل سبأ ملّوا الجنان والرزق (( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ )) فماذا كانت النتيجة؟ ((فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ)).كم هو مفزع هذا المصير!
 مشهد ذلك الشيخ السوري الذي كاد أن ينفطر قلبه فرحاً لحفنة من السكر والشاي والدقيق وذرفت عيناه الدموع فرحاً، مشهد مؤرق مؤلم. ألا يتفكر من وهبه الله قوت يومه وأكثر وأكثر وأكثر فجمع الثروات والأموال الطائلة ثم نراه يتشدق في وسائل الإعلام بذكائه وجهده وقوته ناعتاً غيره بالكُسالى لسان حاله (( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ )) ماذا لو رفع الله عنه هذه النعم؟ (( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ )). مجرد التفكير في ذلك، فزع. ولكننا ننسى فنطغى. 

ماذا لو رُفع عنا ستر الله لحظة؟ من يستر عيوبنا؟ ماذا لو، ماذا لو، ماذا لو ... كم من النعم لو تفكرنا بها ووضعنا قبلها ماذا لو! لتغير الحال واطمأنت الروح المتقدة حسداً تريد المزيد، ولتواضعت الروح التي تعالت وتجبرت تزدري الجميع. 

استشعار النعم صغيرها وكبيرها، والإعتراف بها وشكرها نعمة تستحق الشكر، "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ".

تعليقات

إرسال تعليق

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

توأم الروح

تاريخ المكتبات (٣) الحضارات القديمة وأوراق البردي