أنا ...و (الحالم) سمير قسيمي



عنصران إثنان لا ثالث لهما يجذباني إلى قراءة أدب الرواية  أولهما: قوة اللغة و المقدرة على استخدام الصور و الدلالات و هذا العنصر سبب لدي ما أسميه فوبيا الأدب المترجم خوفا من أن أفقد هذه المزية التي قد لا تصل إليّ بسبب الترجمة  أو تجعلني أفقد لذة اللغة العربية  و هذا جعلني أفوت الكثير من الأدب العالمي إستناداً إلى هذا العنصر. و ثاني هذه العناصر هو قوة البناء و الحبكة في ترابط الأحداث و انسجام الشخوص بطريقة غير تقليدية, بطريقة لا تكشف (النهاية) من (البداية). و انطلاقاً من عنصر البناء فلا أعرف على حد علمي المتواضع من الروائيين العرب في أيامنا هذه من يبني رواياته بجنون, وبخيال أوسع و بدقة أروع و بأسلوب غير تقليدي مما تعودنا عليه في الرواية العربية كالروائي الجزائري المبدع سمير قسيمي. و بالرغم من عدم إتفاقي على كثير من الأفكار التي يشير إليها في رواياته  لكن اختلاف الأفكار لا يُنقص من احترام و تقدير الإبداع فيما يخطه قلم  سمير قسيمي, فقد أبدع  في روايته الأخيرة الرائعة (الحالم) كما أبدع في كل رواياته السابقة ابتداءاً من يوم رائع للموت مروراً على تصريح بضياع, هلابيل ثم في عشق امرأة عاقر..

كتب سمير قسيمي بيد أحد شخوص روايته (الحالم) أن الإبداع يحتاج أولا إلى تحضير مسبق و واع يلي تولد الفكرة في رأس صاحبها: أولا على الفكرة أن تتوضح في رأس الكاتب بشكل كامل و هي ليست موضوع الرواية أو حتى غايتها, بل القصة التي يحويها العمل. إذ لا بد قبل أن يشرع في الكتابة أن يملك قصة كاملة في رأسه. ثانيا, يحضر الكاتب المادة الخام التي سيستغلها في الكتابة, قد تكون تلك قصاصات جرائد, كتباً, قواميس, بحوثا أكاديمية, حوارات مسجلة, لقاءات تلفزيونية. أي شيء يصلح لدعم الأفكار التي ستحويها الرواية. و ما دام المكان أمراً ضرورياً في أي عمل فلا بأس أن يستعين الكاتب بخارطة للمواقع التي سيتحدث عنها. و على سبيل الإحتياط يستعين بمؤلفات عمرانية تؤرخ لعمران هذه المنطقة أو تلك, المهم لا يجب أن يخرج المُؤلَّف عن سيطرة الكاتب في أي جانب منه. و حتى يضمن مزيدا من السيطرة, يضع تقسيماً أوليا للفصول, و تصوراً معقولا لأحداث كل فصل, و جدول توقيت صارم لظهور كل شخصية من شخوص روايته و حين يتجهز الكاتب بكل هذا. يشرع في الكتابة. أعتقد أن هذا ما قام به سمير قسيمي فعلاً عندما شرع في كتابة (الحالم). 

الحالم..رواية فلسفية بامتياز مبنية على فلسفة الوجوديه و أسألتها, تتحدث عن مريض نفسي مصاب بما يسمى الهوس الإبداعي لاحظ  الطبيب المشرف على حالته أن حالة العنف لديه تناقصت عند إعطائه أوراق و قلم, ليشرع في الكتابه. وفروا له ذلك فكتب رواية لاحظ طبيبه المعالج بعد قراءة مخطوط الرواية ورود إسم سمير قسيمي في ثناياها. توصل الطبيب إلى سمير قسيمي ليطلب منه قراءة هذه المخطوطة و إذ بسمير قسيمي يتفاجأ بأن مضمون الرواية هو مضمون روايته العاكف على كتابتها بكل التفاصيل.. هذه خلاصة مقدمة (الحالم)  التي أجد أنها كرواية عصية جداً على التلخيص, رواية هي خليط من جميع ما أبدعه سمير قسيمي في رواياته السابقة, عدة روايات في رواية واحدة ستشعرك بالفصام لفرط الجنون الذي كُتبت به  و بُنيت عليه.  فكل صفحة تستثيرك لتعرف ماالذي تحتوي عليه الصفحة التي تليها, و كل ما أيقنت بأنك تمكنت من الفكرة تجد أنها انسلت من بين يديك كزئبق متمرد, تسحبك من غياهب الفانتازيا إلى سطح الواقعية وهكذا دواليك. لتقرأ هذه الرواية في اعتقادي يجب أن تكون متفرغاً بالكامل مستحضراً كل تركيزك  و إلا هامت أفكارها و تبعثرت.

"كيف لواقع مهما كان رائعاً أن يُرضي الرجل الحالم ؟" سؤال , جوابه في طيات الحالم .....

تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

رواية خرفان المولى (نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)

توأم الروح