لغويات ..


اللغة وسيلة التفاهم و الاحتكاك بين أفراد المجتمع , فاللغة لا تنطق بذاتها و إنما نحن من ننطق بها فنجد لبعض الجُمل قصة و لبعض الكلمات أصول, وصلت إلينا بعد أن سارت على شعوب و تداولتها ألسن عملت بها ما تعمله عوامل التعرية في الطبيعة  فوصلت لنا بشكل غير الذي كانت عليه. فأجد لذة , و تغمرني متعة حينما أتنقل بين صفحات الكتب مقتنصًا بين السطور أصل كلمة ما في حضارة ما أو مكتشفًا كلمة نتادولها بيننا صباح مساء, و أصلها في لغتنا الفصحى الأصيلة لايمت للمعنى المتداول بأي صلة.  فقررت أن أشارككم ما اقتنصت و شيء مما اكتشفت بسياق ابتدعدته و لم أجد أرقى من كلمة (الأم) بداية لهذا السياق فكلمة (ماما) كما تقول الأساطير هي أحد الأسماء الخمسين المقدسة التي خلعها أهل سومر على الأم العظيمة و الربة الأولى ننخرساج  فكانوا يبتهلون إليها بها. ثم انتقل الاسم الإلهي إلى البابليين, ليصل من بعدهم إلى كل لغات البشر, اسماً لكل أم.

الأم  ليس كحنانها حنان, تنفق الغالي و النفيس من أجل أطفالها و تستخدم جميع الوسائل و الطرق لتأديبهم, و تحذيرهم من أمر خطير أو تحفيزهم لشيء عظيم, و مما تستخدمه هذه الأم الحنون في يومنا هذا من باب المديح كلمة (شاطر), و لم تعلم أن الشاطر في الأصل, هو الذي شطر على أهله و انفصل عنهم و تركهم مراغماً, أو مخالفاً!  يقول ابن منظور في لسان العرب مانصه :الشاطر هو الآخذ في نحو غير الاستواء و يقول الفيروزآبادي في القاموس المحيط: الشاطر هو من أعيا أهله خبثاً.

يكبر هذا الطفل أو تلك الطفلة و يأتي سن الزواج فتقول الأم لا أريد لابنتي إلا (ابن ناس) ولا أريد لابني إلا (ابنة ناس) بقصد إعلاء مكانة هذا الشخص ولم تعلم هذه الأم أن هذا التعبير ظهر في الزمن المملوكي للسخرية العامة .. السخرية الشعبية غير المعلنة من هؤلاء الحاكمين الذين لا يُعرف لهم أصل, ولا أب لهم, فهم أولاد ناس !!

فكم نجهل مما نقول و ننطق !!

و يبقى للأم صفاء نيتها و لمعان سريرتها .. الذي يجعلنا نضرب بأصول الكلمات عرض الحائط إن نطقت بها .. 

فيا أمي

أوصى بك الله ما أوصت به الصحف
والشـعرُ يدنـو بخـوفٍ ثم ينـصرفُ
مــا قــلتُ والله يـا أمـي بـقـافــيـةٍ
إلا وكـان مــقـامـاً فــوقَ مـا أصـفُ
يَخضرُّ حقلُ حروفي حين يحملها
غـيـمٌ لأمي علـيه الطـيـبُ يُـقتـطفُ
والأمُ مـدرسـةٌ قـالوا وقـلتُ بـهـا
كـل الـمدارسِ سـاحـاتٌ لـها تـقـفُ
هـا جـئتُ بالشعرِ أدنيها لقافيتي
كـأنـما الأمُ في اللاوصـفِ تـتصفُ
إن قلتُ في الأمِ شعراً قامَ معتذراً
ها قـد أتـيتُ أمـامَ الجـمعِ أعـترفُ*

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*شعر كريم معتوق

تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

رواية خرفان المولى (نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)

باهَبَل مكة Multiverse - رجاء عالم