الجَمَال*

"وحده الجمال يُشاهد و يُحب" هكذا صرح أفلاطون. ولكن، ماهو حد الجمال؟ وما أجناسه وأنواعه؟
للجمال عناصر عدة يتسنى لنا عند اجتماعها أن نطلق من خلالها على  الشيء صفة الجميل، وهي كما يقال الكمال والتناسب، والبهاء أو الإشراق.

الكمال: دائماً ما يقترن الجمال بالكمال فبانعدام أحدهما ينعدم الآخر، لذلك نجد أن النفس السوية تواقة للكمال لأنه استدعاء للجمال. يقول ابن سيناء "إن جمال كل شيء هو أن يكون على ما يجب أن يكون عليه" ومن هنا يتضح المقصود بالكمال وهو اجتماع الصفات المحمودة للشيء، كما يقول الغزالي " كل شيء فجماله وحسنه في أن يحضر كماله اللائق به، الممكن له. فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال، وإن كان بعضها فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر". وهكذا كل شيء، فجماله هو في كمال وجوده. ولكل شيء كماله الخاص به.

التناسب: الكمال يستوجب التناسب وهو مايليق بالشيء من الصفات وأكثر ما يتضح به هذا المعنى هو الكمال الإنساني بوجهيه الروحي والجسماني، فكمال الجسم هو تناسب الأعضاء واعتدال المزاج وامتزاج الألوان. إذن لايكفي اجتماع الصفات المحمودة للشيء ليكون كاملا وجميلاً، فلا بد من قيام التناسب بين هذه الصفات والأجزاء. 

الإشراق: وهو العنصر الذي يعكسه الكمال والتناسب، وهو المقوم الحقيقي للجمال، وقد يطلق عليه البهاء. فالجمال أكان محسوساً أو معقولاً، هو في نهاية التحليل إشراق الوجود. فيكون نوراً يفيض على النفوس والأجسام. فكل جميل تشرق به الروح ويضفي على الأوجه السعادة والبهاء وماهذا البهاء الذي يعلونا إلا نور الجمال الذي يشرق على النفس وهذا النور هو سر الجمال ومعدن المحبة، لذلك يحب الإنسان ماهو جميل، ويرى كل ما يحب جميلاً. 

أقسام الجمال: 
جمال مطلق: وهو النور الإلهي والجمال القدسي وينفرد به الله تعالى دون غيره، ولا يشاركه به موجود آخر سبحانه وتعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير) فهذا جمال لا يُعقل ولا يُتصور، إنما يُدرك فقط بآثاره وتجلياته.  

جمال مقيد : وينقسم إلى قسمين، مقيد كلي ومقيد جزئي أما الكلي فهو "نور قدسي" فائض من الجمال الإلهي سرى في جميع الموجودات عاليها وسافلها، باطنها وظاهرها. ولا يُدرك نور هذا الجمال إلا بنور العقل. 
قال شهاب الدين السهروردي:

لأنوار نورِ النورِ في الخلق أنوار وللسرّ في سر المسرّين أسرارُ

أما الجمال الجزئي فهو يخص بعض الذوات دون بعض ويتميّز به جمال كل شيء عن غيره، أي الجمال الخاص بكل موجود على حد ذاته. وينقسم هذا الجمال بدوره إلى قسمين، ظاهر وباطن أما الظاهر فهو الجمال المحسوس، أي ما يتعلق بالأجسام ولا يدرك إلا معها، كالوجه الحسن وفترات الألحاظ وعذوبة الألفاظ.
أما الباطن فهو الجمال العقلي المجرد. إنه ذات الجمال ومعناه الروحاني وصورته المعقولة. وهذا الجمال قد يعقل بذاته أو بتجريده من عوارض الأجسام، كجمال الخُلُق وجمال العلم والحقيقة.

عشاق الجمال: 
بحسب أنواع أقسام الجمال ينقسم عشاق الجمال، فالصنف الأول موضوع محبتهم الأجسام الجميلة وعالم حسن الصور أي الجمال الجزئي، فهم مفتونون بتناسب الهيئات وجمال المرئيات وبدائع غرائب المخلوقات. 
أما الصنف الثاني فموضوع محبتهم الجمال المجرد لا جمال الصورة المحسوسة، فهم يتجاوزون الجمال الظاهر إلى الجمال الباطن، ويرتقون من الجمال المحسوس إلى الجمال المعقول. وذلك أنهم يجردون صورة الجمال من عوارض الجسم حتى لا يبقى منها إلا المعنى الروحاني، أي الجمال المجرد.
فنحن إما من هؤلاء وإما أولائك أو أننا خليط من الصنفين، الأهم هو الحفاظ على ذلك التوق إلى الجمال والعمل على الإرتقاء به في ذواتنا، وتذوقه في كل موجود من حولنا حتى تعم المحبة وتشرق الأرواح ويكسو الوجوه البهاء.



* بتصرف من كتاب الحب والفناء| علي حرب، الطبعة الثالثة ٢٠١٤.

تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

باهَبَل مكة Multiverse - رجاء عالم

عالم صوفي * .. رحلة تطور الفكر الإنساني (٢)