ديجافو .. رواية اللامنطق

ديجافو, هي رواية عن الدار العربية للعلوم ناشرون رواية للكاتبة السعودية, سيدة الغياب ذات القلم العذب صاحبة الحبر الحزين دوماً, سلمى الجابري. تتحدث الرواية عن الكاتبة (سكّر) التي لم توفق مع حبيبها و خطيبها (وافي) في حب كانت ترى فيه كل الحياة بكل الأمنيات و الأحلام. و في خضم حالة الفقد تلك يظهر فجأة (مراد) أحد قراءها و معجبيها ككاتبة فنذر وقته لقراءة ما تكتب، لمراسلتها و التعليق على كل ما تكتب, فوجدت فيه و في رسائله المنقذ من حالة الشتات تلك، و رأت فيه الحب البديل الذي تستحقه، وجدت أنه يقرأها بعمق دقيق سحر به عقلها و قلبها. تكتشف لاحقاً أن هذا القاريء (مراد) ما هو إلا (وافي) أراد أن يعيدها بطريقته و يعتذر لفقدها بهذا المنطق ...!

أثناء قراءتي لهذا العمل كنت أفكر في كتابة قراءة نفسية إجتماعية للرواية كهدف أساسي, مع التطرق بشكل ثانوي لها أدبياً. لكن مع استمراري في القراءة حتى النهاية و جدت أنه من الضروري أن أكتب قراءتي الأدبية لهذا النص أولا ثم أتبعه بالقراءة النفسية الإجتماعية.

الرواية عبارة عن استعراض لغوي و بروباقندا لغوية أصابت العمل بالتخمة, فأصبحت الأحداث معطلة تسير بوهن. استعراض لغوي أصاب البناء السردي في الرواية بتصدع رهيب فبدت الأفكار مفككة تملأها الثقوب و الثغرات. الاهتمام بالصور اللغوية خرج عن السيطرة فنجد صورة تقول "لماذا نحب في العتمة الدامسة طالما نستطيع أن نحب تحت الشمس الحالكة " أليست كلمة الحالك في اللغة تعني الظلام الشديد؟؟ او سواد الليل الشديد؟؟!

الروائي الذي يعالج موضوعاً في مجتمعه أعتقد أنه من الواجب عليه أن يستخدم لغة هذا المجتمع, لغة تعكس البيئة و طبيعتها, حتى تصبح الرواية ذات مصداقية طالما أن الرواية تطرقت إلى قضايا اجتماعية من صلب المجتمع. فنجدها تقول: "بصوت الذكريات و صراخ تشرين, غرقت في شبر فوضى" أي تشرين هذا؟ فهل نحن في مجتمع يعرف الشهور بتشرين و تموز و أيلول؟؟  و في موضع آخر "لذلك سأنتظرك فوق أقاصي تلك التلة و تحديداً أمام حقل سفرجل .." أي سفرجل؟ و أي حقل ؟؟ هل هذه رواية سعودية حقاً أم رواية مترجمة؟!
فلغة الشعر يجب أن تبقى للشعر أما الرواية فهي حدث و حبكة و جهد و ليست لغة و تلاعب بالكلمات و حسب.

عطفاً على الفكرة المستهلكة حملت الرواية الكثير من (اللامنطق). في خضم الاجتهاد بالاستعراض اللغوي أصبح هناك الكثير من التناقضات اللامنطقية, فأبطال الرواية (سكّر) و (وافي) مجموعة من التناقضات , فكيف لـ (سكّر) السيدة الكاتبة المستقلة، قوية الشخصية، واضحة الهدف و المطالبة بحقوق المرأة أن تكون في نفس الوقت سيدة مازوشية تستلذ بسادية الرجل و تعتقد أن هذا هو ما يجذب المرأة في الرجل فنجدها تقول " بطبعك السادي كنت تربيني لمنازلة أقوى, و لتضحيات أعظم, و بطبعي الذي اكتسبته منك أم اكتشفته في نفسي منذ إعصار قسوتك, بأنني أخضع لك بمازوشية تتواطأ مع تمردك بوجه واحد .."

كيف لـ (وافي) الحبيب الذي لم يفهم حبيبته (سكّر) و لم يفهم رومنسيتها و لا عشقها للغة و الكتابة و لم يلفته ذلك يوما أو يجذبه أن يكون بين عشية و ضحاها ذلك القاريء العميق و الكاتب المذهل و صاحب اللغة المترفة و الأبجديات الشعرية المتقدة ؟؟ فهل الكتابة و عشق الحرف تلد في روح الانسان بين عشية و ضحاها ؟؟

اللامنطقية في مبدأ أن (وافي) عندما رأى استحالة أو تعقد علاقته بـ (سكّر) أراد أن ينهي هذه العلاقة بأبشع الصور فتواطأ هو و صديقتها على أن تلفق له تهمة الخيانة و توثقها بالصور لإنهاء العلاقة, ثم بعد ذلك يعود منتحلاً شخصية قاريء معجب ليبدأ العلاقة من جديد مع (سكّر) بما تحب و تعشق من اللغة و الاهتمام. أي منطق هذا ؟ كمن أسقط مزهريته فانكسرت نصفين فأراد اصلاحها فأجهز عليها و هشمها، ليصلحها بعد ذلك!!

أما من الناحية الإجتماعية بما أن الأدب ظاهرة اجتماعية كون المادة الأدبية في غالبها تعود إلى الحياة و المجتمع, إذا ما أخذنا في الإعتبار اجتماعية النص، حيث أن الأدب إما أن يوثق مرحلة زمنية معينة أو مشكلة اجتماعية بذاتها, أو يحاول أن يقوض فكرة اجتماعية سلبية من صالح المجتمع التنبه لها. و بما أننا في المجتمع العربي عامة و السعودي خاصة مجتمع ذكوري بالحد الذي فاق الحد المحمود شرعاً و عقلاً. فالفتاة هنا تنشأ بعقلية التبعية للرجل في أدق الأمور و جلّها, تنشأ مشبعة بفكرة أن الأنوثة تعني الضعف (ظل رجل و لا ظل حائط) و أنه بدون الرجل ليس لها حياة و لا مستقبل, و بالمقابل ينشأ الأولاد على أن الرجولة هي في السيطرة على هذه الفتاة المشبعة بالضعف، الكافرة بالاستقلال الفكري او الاختيار الطوعي في شؤونها. فمعادلة النشأ هنا أنه يجب أن يكون هناك مسيطر و تابع و ليس هناك أي اعتراف بأن  الرجل و المرأة كائنان مستقلان لكل منهما حقوق حرية الرأي و الفكر، و أن المعادلة هي المشاركة و تبادل الأراء و أنهما مكملان لبعضهما و ليس بالضرورة أن يلغي أحدهما الآخر لتستمر الحياة

إذاً فنحن بحاجة إلى الإبداع الأدبي و الحراك المجتمعي لتقويض أركان فكرة السادية و المازوشية, فكرة التابع و المتسلط , السائدة و المتسلطة في اللاوعي عند (كثير) و ليس (كل) أطياف المجتمع. لا نحتاج إلى إبداع أدبي يكرس لهذه الفكرة و يجعلها ميزة في العلاقة بين الرجل و المرأة.

"لكن لم أستطيع أن أكرهه, بل بدأت أحبه ضعف ذلك الحب, و كأن صورة الجلاد التي ارتسمت فوق ملامحي و بين حياتي, بدأت تغريني و تثيرني" . هل هي هذه الصورة المثيرة المغرية في العلاقة و الحب بين الرجل و المرأة؟ المجتمع سأم ضعف الضحية و سطوة الجلاد. فهذه المعادلة لم تنتج لنا إلا أفواج مستنسخة من نفس الضحية و نفس الجلاد. 

" بطبعك السادي كنت تربيني لمنازلة أقوى’ و لتضحيات أعظم, و بطبعي الذي اكتسبته منك أم اكتشفته في نفسي منذ اعصار قسوتك, بأنني أخضع لك بمازوشية تتواطأ مع تمردك بوجه واحد .." هل نتاج هذه المعادلة يسقي بذرة حب حتى تنمو و تثمر؟ أم أنه يسقي حنضلا لن يسمن ولن يغني من جوع العاطفة يوماً.

حقاً لا نريد مجتمع يستغرق في هذه الصور و يستلذ بهذا الفكر. فالعلاقة بين الرجل و المرأة علاقة يكتمل فيها الرجل بالمرأة و تكتمل المرأة فيها بالرجل. كل كائن مستقل في فكره, قراره و إرادته و الذي يقارب بين استقلال هذا و استقلال ذاك هو الحب و المودة. لا سطوة جلاد ولا ضعف ضحية. 

تعليقات

  1. حقاً لا نريد مجتمع يستغرق في هذه الصور و يستلذ بهذا الفكر. فالعلاقة بين الرجل و المرأة علاقة يكتمل فيها الرجل بالمرأة و تكتمل المرأة فيها بالرجل. كل كائن مستقل في فكره, قراره و إرادته و الذي يقارب بين استقلال هذا و استقلال ذاك هو الحب و المودة. لا سطوة جلاد ولا ضعف ضحية .


    على انتقادك بأزمنة الاشهر فهي ممكن ان المكان الذي يعيش فيه سكر و وافي أطر بذلك , . واما بساتين السفرجل اذا ماحكينا عن السعودية فهي موجودة ولكن تختلف الاسماء من مكان الى آخر .

    *و لا أعلم كأني أرى نقدك ليس فيه جانب إيجاب ؟!

    أخي حسام لك كل الود ,
    أحسنت , قراءة عميقة , نقد رائع , مستقبلك بإذن الله مشرق , واتمنى ان كل عمل يصدر ان يجد مثل قراءتك له و نقدك . تثبل تحيتي معطرة

    ردحذف

إرسال تعليق

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

باهَبَل مكة Multiverse - رجاء عالم

عالم صوفي * .. رحلة تطور الفكر الإنساني (٢)