عشق اللغة

اللغة العربية و ما أدراك مااللغة العربية فهي العزة. لغة في منطقها لذة و الغوص في أسرارها متعة لا تضاهيها متعة. فمن وهبه الله من مفاتيح كنوزها و علمه  مكنونها فقد وهبه الله خيرًا وفضلًا و رفعة.

فلا يعقل أن يختار الله سبحانه و تعالى لأعظم الرسالات لغة مصمتة , جامدة أو مملة, سبحانه و تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا. عجبي لمن لا يوقر هذه اللغة و يدَعي جمودها أو ينتقص من بيانها و إن العجب العُجاب لمن يصدّق هذه الدعاوى و يتأثر بها. فشهد شاهد من غير أهلها, تقول المستشرقة زيغرد هونكه :كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة, ومنطقها السليم وسحرها الفريد ؟؟!! فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة  ....حتى الذين بقوا على دينهم انذفعوا يتكلمون اللغة العربية بشغف, فماتت اللغة القبطية, وتخلت اللغة الآرامية لغة المسيح عن مركزها لتحتل مكانها لغة محمد صلى الله عليه وسلم ..و بالرغم من جهلي بأسرارها و لكني ما زلت أجد لبيانها حلاوة, وعند معرفتي لأي من أسرارها أجدني كطفل, فرح بحلوى يستلذ بها, و يريها كل أقرانه يزهو بها عليهم.

فها أنا هنا أتلذذ ببعض ما عرفت و أشارككم متعتي و إن كان ما عرفته قديمًا لبعضكم و لكني أراه جميلًا أقرأه كل يوم متعجبًا من سحرهذا البيان و معجبًا بغنى هذه الألفاظ و دقة ترتيبها للأحوال , و تبيانها للأوصاف. 

لا أخفيكم سراً أني لم أكن أعرف من قبل أن الأوقات في اللغة العربية لها مسميات متتالية تصف حال الأرض من الشروق إلى الغروب و من الغروب إلى الشروق, فهناك الشروق ثم البكور ثم الغُدْوة ثم الضحى ثم الهاجرة ثم الظهِيرة ثم الرَّواح ثم العصر ثم القَصْر ثم الأصيل ثم العَشي ثم الغروب ثم الشَّفّق ثم الغَسَق ثم العَتَمَة ثم السُّدْفة ثم الفَحْمة ثم الزُّلّة ثم الزُّلْفة ثم البُهْرة ثم السَّحَر ثم الفجر ثم الصبح. أي غنى في الألفاظ هذا, و أي دقة  في ترتيب الأوقات. حريٌ بنا أن نقتدي بهذه الدقة و أن نتعلم من هذا التنظيم في تنظيم أوقاتنا و أعمالنا و أحوالنا.

فلكل شيء تراتبية و لكل حال تدرج يصفه, في الصحة و المرض وحتى الغنى,  دعونا نتعرف على بعض هذه الأوصاف و نستمتع برقي هذه اللغة المعجزة الممتعة: مثلًا الترتيب من المرض إلى الصحة: فبداية التعافي من المرض هو (مُتماثل) ثم (مُفْرِق) ثم (مُطْرَغِش) ثم (نَاقِه) ثم (مُبِلّ) ثم (مُرْجِع).

و ترتيب الغِنى في اللغة يتدرج من (الكَفَاف) إلى (الغِنَى) ثم (الإحْرَاف) ثم (الثَرْوَة) ثم (الإِكْثار) ثم (الإِتْرَاب) ثم (القَنْطَرَة). 

و مما زادني عجبًا هو سُلم الصلع! نعم الصلع!!  فتقول العرب (أنزَع) إذا انحسر الشعر عن جانبي الجبهة, فإذا زاد قليلا قالوا (أجلَح), وإذا بلغ نصف رأسه قالوا (أجلى),  ثم (أصلع),  فإن ذهب كله قالوا (أَحَص).

و مما تعلمته من أسرار اللغة,  تحري دقة وصف الأشياء و إعطاء كل ذي حق حقه , و وصفه بما يناسبه و يليق به و هذا ما لاحظته عند تأملي  لوصف أجزاء البدن عند العرب في حال ظهورها, فالعرب يفرّقون في الكشف عن الشيء من البدن: فيقولون (حسر) عن رأسه، و (سفر) عن وجهه، و(أفتر) عن نابه، و(كشر) عن أسنانه، و (أبدى) عن ذراعيه، و(كشف) عن ساقيه. 

و أختم معكم رحلتي هذه بخطاب لغتكم العربية على لسان شاعر النيل حافظ ابراهيم:

أنا  البحر في أحشائه الدر كامن           فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني            ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني                   أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي

تعليقات

الأكثر قراءة

تاريخ اليهود منذ بدايتهم حتى تشتتهم على أيدي الرومان*

رواية خرفان المولى (نظرة تحليلية للبنية النفسية للنص)

باهَبَل مكة Multiverse - رجاء عالم